هل تم إعداد الفطير مع الأعشاب المرة للاحتفال بالفصح هذا العام فى القدس المحتلة؟ الفصح هذه المرة فصحان.. فصح حزين لمسيحى القدس لأكثر من سبب، وفصح استعمارى لا فائدة من الحوار معه، إذ تصر إسرائيل على أن تعيش أبدا ودوما على حد السيف. ولا ينغص الاحتلال حياة المسلمين وحدهم فى الأرض المحتلة، إنه يعمد وبنفس القدر إلى إشباع نفوس المسيحيين هناك مرارة ويرويها «أفسنتينا»، ويدبر بليل بهيم لإفساد احتفالات الفصح تحت دعاوى الأمن الواهية والأبوكريفية.
عشية الفصح تعمد سلطات الأمن الإسرائيلية إلى تشويش الاحتفالات فى البلدة القديمة تحت الستار اللئيم عينه، فكما العام الماضي، ومن قبله سبعة أعوام تنوى الشرطة الإسرائيلية هذه السنة أيضا نشر حواجز داخل وفى محيط البلدة القديمة خلال الاحتفالات، لاسيما يوم سبت النور، اليوم الموعود والمشهود فى كنيسة القيامة، والذى يأتى إليه الحجاج من كل بقاع وأصقاع المسكونة.
هذه الحواجز سببت فى الماضى وحكما ستفعل فى قادمات الأيام احتكاكات بين الأمن الإسرائيلى والمحتفلين مما جعل الكثيرين لاسيما من أهالى فلسطين المحتلة، أحفاد شهود العيان على مسيرة السيد المسيح على درب الآلام، يفضلون البقاء فى دورهم وعدم ممارسة شعائرهم وطقوسهم الفصيحة .
ليس لإسرائيل ولا للقيادة الإسرائيلية دالة على السمع أو الاستجابة، تهويد القدس يعميهم عن أى هدف آخر، سياسيا كان أم دينيا، لا حمائم ولا صقور، ولا أمن ولا قضاء.
لقد دعت حكومة نيتانياهو المحكمة العليا فى إسرائيل إلي عدم التدخل فى معايير الشرطة، وأن كان القاضى نوعام سولبرج قرر التداول لاحقا أمام ثلاثة قضاة.
فصح حزين يحل على القدس، لاسيما فى ظل المؤامرات المستمرة والمستقرة التى تهدف إسرائيل من ورائها إلى شق الصف العربى الفلسطينى على أساس طائفى لاسيما بعد أن أجازت الكنيست فى أواخر فبراير الماضى قانونا مختلفا عليه يفرق بين عرب إسرائيل المسيحيين والمسلمين. إسرائيل تلعب على وتر غاية فى الخطورة، وجل اهتمامها ليس العرب الفلسطينيين المسيحيين، بل محاولة إحياء الزخم الداعم لها فى الغرب، وبخاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أخذ تيار المسيحية المتهودة أو اليهومسيحية رغم ما يشوب التعريف من أغلاط بنيوية وتفكيكية عدة، يتضاءل بعد ثمانى سنوات استعلن فيها فى عهد بوش الابن. جرى ذلك من خلال النقاش والجدل حول اتاحة الفرصة للمسيحيين الفلسطينيين الدخول إلى الجيش الإسرائيلي، والخدمة فيه، ومحاولة لإسرائيل إظهار المشهد على أنه اختلاف وتباين شديدين فى شأن الهوية الفلسطينية.
مشاهد الفصح الحزين هذا العام، تواكب الفشل الذريع المحيق بالمفاوضات وسبعة أشهر أو أزيد من جولات وزير الخارجية الأمريكى جون كيري، لاستئنافها، لكن على صخرة التعنت الإسرائيلى والتصميم إلى حد الانتحار على فكرة الهوية اليهودية للدولة الإسرائيلية تتكسر كل الآمال وتسحق كافة التطلعات إلى سلام حقيقي.
هل قرأ أحدكم ما كتبه روبرت ساتلوف مؤخرا عن الدولة اليهودية، الرجل هو المدير التنفيذى لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى وثيق ولصيق الصلة بتل أبيب… إنه يقر رسميا دون مداراة أو مواراة بأن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى أكثر عمقا من إشكالية رسم عادل للحدود أو ترتيبات أمنية إنه صراع وجودي.
فصح حزين أسهمت فيه إدارة أوباما بأكبر نصيب، ذلك أنه عندما رأتها حكومة نيتانياهو تتخلى بتكرار مشين عن أصدقائها وحلفائها السياسيين لعقود فى الشرق الأوسط، بات غالبية الإسرائيليين مصممين على دعم نيتانياهو فى تهويد القدس، وفى العيش اتكاء واتكالا على مفهوم ومنطق القوة.