لا يعرف الكثير من البريطانيين آرثر جيمس بلفور الذي شغل منصب رئيس الوزراء في أوائل القرن العشرين، ولكن اسمه مألوف جدًا لـ12 مليون فلسطيني. وفي الذكرى المئوية لوعد بلفور، يتوجب على الحكومة البريطانية أن تغتنم الفرصة وتقوم بتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بحق شعبنا الفلسطيني.
في مكتبه في لندن، بتاريخ 2 نوفمبر 1917، وقّع السير آرثر جيمس بلفور رسالة يعد بها المنظمة الصهيونية باقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين. لقد تعهد بلفور بمنح أرض فلسطين التي لم تكن له، متجاهلاً الحقوق السياسية لشعبنا الذي عاش على هذه الأرض من آلاف السنين. وبالنسبة للشعب الفلسطيني، أبناء شعبي، فقد كانت الأحداث التي سببتها هذه الرسالة مدمرة وتركت آثارًا بعيدة المدى على شعبنا.
لقد خلقت السياسة البريطانية الداعمة للهجرة اليهودية إلى فلسطين مقابل تنكرها للحق العربي الفلسطيني في تقرير المصير توترات شديدة بين المهاجرين اليهود الأوروبيين والسكان الفلسطينيين الأصليين. وعانت فلسطين، التي أصبحت البند الأخير على جدول أعمال إنهاء الاستعمار، وعانينا نحن شعب فلسطين الذين نسعى الى الحصول على حقنا غير القابل للتصرف في تقرير المصير من أكبر نكبة عرفها التاريخ المعاصر. ففي عام 1948 قامت الميليشيات الصهيونية بطرد ما يقارب مليون رجل وامرأة وطفل قسرًا من وطنهم وارتكبت مجازر مروعة ودمرت مئات القرى في هذه العملية. لقد كان عمري 13 عاماً حين طردنا قسراً من صفد. وفيما تحتفل اسرائيل بتأسيس دولتها، نحيي نحن الفلسطينيين ذكرى مرور أحلك يوم في تاريخنا.
إن وعد بلفور ليس واقعة يمكن نسيانها، حيث يبلغ عدد أبناء شعبي اليوم أكثر من 12 مليون نسمة متفرقين في جميع أنحاء العالم، أجبر بعضهم للخروج بالقوة من وطنهم في عام 1948، وما زال أكثر من 6 ملايين فلسطيني يعيش في المنفى حتى يومنا هذا. ويبلغ عدد الذين تمكنوا من البقاء في منازلهم 1.75 مليون نسمة يعيشون اليوم في ظل نظام تمييزي ممنهج في دولة إسرائيل. ويعيش نحو 2.9 مليون فلسطيني في الضفة الغربية في ظل احتلال عسكري وحشي تحول إلى استعمار، منهم 300 ألف من سكان القدس الأصليين الذين لا زالوا يقاومون سياسات الاحتلال الاسرائيلية التي تعمل على ترحيلهم قسراً من مدينتهم، بينما يعيش مليوني فلسطيني في قطاع غزة، السجن المفتوح الذي يتعرض للتدمير بشكل منتظم من قبل الالة العسكرية الإسرائيلية.
إن وعد بلفور ليس مناسبة للاحتفال، خاصة في الوقت الذي لا يزال فيه أحد الطرفين يتعرض للظلم ويعانيه بسبب هذا الوعد. فقد أدى إنشاء وطن لأشخاص آخرين إلى تشريد شعب آخر واستمرار تعرضه للاضطهاد ولا يمكن المقارنة بين المحتل والشعب القابع تحت الاحتلال، ويتوجب معالجة هذا الخلل الذي تتحمل فيه بريطانيا قدراً كبيراً من المسؤولية، ويجب أن تقام الاحتفالات في اليوم الذي يحظى فيه جميع من على هذه الأرض بالحرية والكرامة والمساواة.
ان القيام بالتوقيع على وعد بلفور هو فعل حصل في الماضي – وهو أمر لا يمكن تغييره – ولكنه أمر يجب تصحيحه وهذا يتطلب التواضع والشجاعة، ويتطلب تقبل الماضي، والاعتراف بالأخطاء واتخاذ خطوات ملموسة لتصحيح تلك الأخطاء. وإنني في هذا السياق أحيي شجاعة الشعب البريطاني الذي يدعو حكومته إلى اتخاذ مثل هذه الخطوات: فقد صوت 274 نائباً برلمانياً لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، وطالب الآلاف من البريطانيين حكومتهم بالاعتذار عن وعد بلفور، وخرجت العديد من مجموعات التضامن والمجتمع المدني الى الشوارع نصرة لحقوق شعبنا بلا كلل أو ملل.
وعلى الرغم من الويلات التي عانينا منها في القرن الماضي، لا يزال أبناء الشعب الفلسطيني صامدين، فنحن شعب فخور بتراثه الغني وحضاراته القديمة وبكون فلسطين مهد الأديان السماوية الثلاث. وقد تكيفنا على مرَ السنين مع الوقائع من حولنا – والتي سببتها سلسلة من الاحداث التي بدأت في عام 1917- وقدمنا تنازلات مؤلمة وكبيرة من أجل السلام، بدءاً بقبول قيام دولة فلسطينية على 22٪ فقط من وطننا التاريخي، والاعتراف بدولة إسرائيل دون الحصول على أي اعتراف مماثل حتى يومنا هذا. وتبنينا حل الدولتين على مدى السنوات الثلاثين الماضية، والذي بات تحقيقه مستحيلاً مع مرور الوقت. فطالما استمرت اسرائيل بالتمتع بالحصانة والمكافآت التي يمنحها اياها المجتمع الدولي بدلاً من مساءلتها عن انتهاكاتها المتواصلة لمبادئ القانون الدولي، فلن يشكل ذلك حافزاً لها لإنهاء احتلالها، وهذه الرؤية هي رؤية قصيرة النظر حتمًا.
يجب على إسرائيل وأصدقاء إسرائيل أن يدركوا جيدًا أن حل الدولتين قد ينتهي تمامًا، إلا أن الشعب الفلسطيني باقٍ هنا، وسيواصل سعيه من أجل استرداد حريته، سواء كان ذلك من خلال حل الدولتين أو من خلال النضال من أجل الحصول على حقوق متساوية لكل من يعيش في فلسطين التاريخية.
لقد آن الأوان للحكومة البريطانية بالقيام بدورها المنوط بها، فاتخاذ خطوات ملموسة تهدف الى إنهاء الاحتلال على أساس القانون الدولي والقرارات الدولية، بما في ذلك قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2334، والاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، من شأنها أن تدفع نحو إحقاق الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وإن رفع الظلم عن أبناء الشعب الفلسطيني والانتصاف لحقوقه المشروعة سيساهم بلا شك في تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط – من أجل الفلسطينيين والإسرائيليين وباقي دول المنطقة على حد سواء.