القاهرة – وكالات – تتعرَّض المجتمعات العربية لهجمة شرسة من التيارات التكفيرية المتطرفة التي تستخدم الدين وسيلة لتمرير أفكارها المتشددة البعيدة تماماً عن صحيح الدين، وهو ما يستوجب تكاتف جميع المؤسسات والهيئات الدعوية والفكرية لمواجهة أخطارها بكل السبل ونشر الفكر الوسطي وتحصين المجتمعات وخاصة الشباب من الفكر المتشدد.
ودعا الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف المصري إلى تشكيل لجنة لوضع منظومة قيم وضوابط تدرس الأفكار والفتاوى والمنطلقات التي يروجها المتشددون والتثبت من مدى صحتها شرعياً، مؤكداً أن الحفاظ على الفكر الإسلامي الصحيح مهمة المؤسسات الدعوية الرسمية.
ميثاق عمل
وتقول الدكتورة آمال ياسين – أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر – إن تشكيل لجنة للضوابط والقيم للتصدي للفتاوى المنحرفة يعد اتجاهاً حسناً وضرورياً مطالبة بسرعة تشكيل هذه اللجنة ووضع ميثاق عملها لمواجهة ثقافة الغلو والتطرف والإرهاب، بشرط أن تشارك مؤسسات الإعلام إلى جانب العلماء في وضع هذا الميثاق.
وتؤكد أن مواجهة الفتاوى والأفكار المتطرفة بالحجة الشرعية واجب ينبغي أن يكون من أولويات العمل الدعوي والإعلامي.
وقالت: إن الانحراف الفكري والتطرف يؤدي إلى الخروج عن الجماعة، وعصيان ولي الأمر، وتكفير المسلمين، وإراقة الدماء، والإضرار بالمنشآت العامة والخاصة، ويحتاج إلى مواجهة جماعية، تشارك فيها مؤسسات الإعلام، والدعوة الإسلامية، مشددة على أن التصدي لثقافة الغلو والانحراف والإرهاب، من المسؤوليات الجماعية، التي تحتاج لهيئات ومؤسسات متخصصة.
الوسطية
وطالبت بأن تعطى للجنة الضوابط والقيم كافة الصلاحيات الدعوية والإعلامية والقانونية لكي تؤدي واجبها على الوجه الأكمل، لافتة إلى ضرورة تنوع العقوبات التي تضعها اللجنة لردع أصحاب الفتاوى المنحرفة ومنحها سلطة قانونية لتشمل العزل من المنصب، والمنع من الظهور إعلاميا، وإلى جانب ذلك لا بد من إتاحة الفرصة كاملة للعلماء المعروفين بوسطيتهم.
وأشارت إلى أن الخلل في فهم بعض النصوص الشرعية ومقاصدها، مثل النصوص الواردة في الجهاد والـولاء والبراء، والأخذ بالفتاوى المضللة، من أهم أسباب ظهور فئات تغالي في الدين، وتعمد إلى تفريق الأمة في دينها، فوقعوا فيما حذر الله منه، وينبغي أن تكون هناك وقفة جادة تردعهم.
ويوضح الدكتور عبدالله النجار – أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن مجمع البحوث الإسلامية بصدد دراسة خطاب وزير الأوقاف المصري الذي أرسله للأزهر ويطالب فيه بتشكيل هذه اللجنة، ومن المتوقع أن تنجح مجهودات وزارة الأوقاف والأزهر ودار الإفتاء في إخراج هذا المقترح إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع.
أحكام الإسلام
وحدد محاور عدة يجب أن تعمل عليها لجنة الضوابط والقيم، منها تعريف الناس بأحكام الإسلام، بعيداً عن الأهواء، ونقض مزاعم الغلاة والمتطرفين والإرهابيين وتفنيد ادعاءاتهم الباطلة وتقديم الفهم الإسلامي الصحيح لهم سعياً إلى إصلاحهم، ومحاربة الإفساد في الأرض بكل أنواعه، وبيان جزائه العظيم في الدنيا والآخرة، وإظهـار أن رسالة الإسلام رسالة أمن وسلام وتواصل وتعاون بين الناس على البر والتقوى، ورفض الظلم والعدوان، ولا يتحقـق ذلك إلا بالإيمان والعمل الصالح، والعدل بين الناس، والإحسان إليهم، وتمنع البغي عليهم، وتعريف الأجيال المسلمة بمبادئ اليسر والتسامح، وتحذيرهم من خطر الانحراف عنها.
فتاوى التحريض
ويقول الشيخ محمود عاشور – وكيل الأزهر الأسبق: هناك آليات كثيرة قائمة لمواجهة الفتاوى التكفيرية والتحريضية والأفكار المنحرفة، ولكنها للأسف لم تفلح في أن تُردع أصحاب الفكر والمتشدد المتطرف، مطالباً بتفعيل الآليات القائمة بالفعل، وأن تتضافر كافة جهود المؤسسات الإسلامية والإعلامية للتصدي لأصحاب الفتاوى والأفكار المنحرفة، وتفنيدها ودحضها بالحجة والبرهان والدليل.
وأضاف الشيخ عاشور: من يروج الفتاوى الشاذة والمنحرفة لا يعرف عن الإسلام شيئا، فالدين الحنيف لا يسمح بتكفير شخص أو إهدار دمه لمجرد أن له رأياً مخالفا، وينبغي ردع كل من يتقّول بمثل هذا الهراء، ووضع ضوابط وشروط للإفتاء، بحيث لا يفتي إلا من لديه مقومات الإفتاء، ويعرف جيدا ضوابطه وشروطه.
وأكد أن الإسلام يرفض الفكر المتطرف الذي يحكم على الأفراد بالكفر والخروج من الملة، موضحاً أن الفكر التكفيري بعيد عن جوهر الدين القائم علي الوسطية والرحمة والاعتدال، حيث تظهر الفتاوى المتطرفة بسبب عدم التفات البعض إلى علم المقاصد الذي بذل الفقهاء والعلماء المسلمون مجهودات كبيرة لتأصيله، والذي يُعنى بمراعاة أحوال الناس في الواقع الذي يعيشونه لأن الأحكام تدور مع مصالح الناس.