المجد للهِ في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة
دولة رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية ممثلاً عن فخامة الرئيس محمود عباس حفظه الله ورعاه
معالي وزير الداخلية الأردني السيد مازن عبد الله هلال الفراية ممثل صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه
اصحاب المعالي والسعادة والنيافة والأباء الأجلاء،
ابناء رعيتنا الاحباء
السيدات والسادة الكرام
نلتقي اليوم في مهد المسيح مدينة بيت لحم لنحتفل بذكرى ميلاد سيدنا وفادينا رسول السلام. وتمر علينا ذكرى ميلاد المسيح وملئ قلوبنا أمل بمستقبل مستقر للبشرية خاصة في ظل انعدام الافق لتحقيق السلام في أرض السلام واستمرار جائحة كورونا لعيد الميلاد الثالث على التوالي.
السيدات والسادة الحضور،
بمناسبة الميلاد ووسط هذه الظلمة الروحية كلنا أمل ورجاء بنور يشرق علينا كما أشرق نور المسيح يوم مولده على العالم ليخلصه من خطاياه ويعيد إليه الرجاء والسلام الحقيقي.
يقول أشعياء النبي واصفًا ميلاد السيد المسيح قبل حوالي سبعمائة عام من الميلاد “لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام.” (أشعياء 9: 6-7). وهذا الأمل والرجاء يفرض علينا تسامياً يرتقي بنا فوق حدود ذاتنا، فنتجاوزها، فنصبح قادرين على أن ننظر إلى الآخر كما ينظر الله إليه، ونقبل الآخر كما يقبله الله، حتى ندرك ونحقّق العدل والحق لنا ولغيرنا.
السيدات والسادة الأعزاء
لقد ازدادت في الآونةِ الأخيرةِ، وتيرةُ الاعتداءِ على أهالي القدسِ وضواحيها دونَ تمييزٍ بين مسيحيٍّ ومسلمٍ، غيرَ أن المسيحين باتو هدفًا لهجماتٍ متكررة ومستمرة من قبلِ الجماعاتِ الصهيونية المتطرفة، وخاصةً في المدينة المقدسة. فمنذُ عامِ ألفين واثنا عشر 2012، أُرتُكِبت جرائمُ لا حصرَ لها بحقِ المسيحيين من اعتداءاتٍ جسديةٍ ولفظيةٍ بحقِ كهنةٍ ورجالِ دينٍ آخرين، وشُنَّت هجماتٌ على الكنائس، وخُرِّبت أماكن مقدسة ودُنِّست بشكلٍ ممنهج، علاوةً على عملياتِ ترهيبٍ مُتواصِلة للمواطنين المسيحيين الذينَ يُمارسونَ حَقَهُم الطبيعي في العبادات، وهو ما كَفِلَتهُ الشرائعُ السماوية والمَواثيق الدولية. إنَّ هذه الجماعاتِ المتطرفةَ ترتكبُ جرائِمَها في محاولةٍ مَدروسةٍ لطردِ المسيحيين من القدس وأجزاءٍ أخرى من الأرض المقدسة.
ونحن بطاركةً ورؤساءَ الكنائسِ في القدس، قد عقدنا العزمَ على القيامِ بحملةٍ دوليةٍ تضعُ العالمَ المسيحيَّ بصورةِ الانتهاكات التي تُرتَكَبُ بحقِ المدينةِ المقدسة وضواحيها، ذلك أنَّ الوجودَ المسيحي، بشراً وحجراً، باتَ مُستهدفًا من قبلِ الجماعات الصهيونية المتطرفة، وخاصةً في مَيدان عُمرِ بن الخطاب في منطقةِ بابِ الخليلِ في القدس، الذي يُعتبرُ ممرَ الحُجاج الى كنيسة القيامة والاديرةِ والكنائس المختلفة، هذا بالاضافة الى عمليات تشويهِ الهوية الحضارية والتاريخية لمنطقةِ باب جديد. ونحنُ نرفعُ الصوتَ عاليًا في زمنِ الميلادِ هذا لنؤكدَ أنَّ الاراضي المُقدسة ليست أرضَ ميلادِ المسيحِ فحسب، بل أرضُ ميلادِ المسيحيةِ الأولى التي من خلالها انطلقت المسيحيةُ إلى العالمِ أجمع، فالعالمُ المسيحي كُلُهُ مسؤولٌ عن بقاءِ المسيحيينَ في بلادِنا المقدَّسة والمشرقِ عمومًا. ونؤكد على مطالبتنا بالحفاظ على ترتيبات الوضع القائم والمعروف باسم “الستاتيكو”، وتعزيز الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في الاراضي المقدسة، وصيانة فسيفساء المدينة وتنوعها لتكون القدس المركز الروحي للديانات السماوية الثلاث، ومن اجل ذلكَ، نعملُ يدًا بيدٍ بأقصى الإمكاناتِ المتاحةِ، بُغيةَ تنفيذِ مشاريعٍ تنمويةٍ مستدامة، للحفاظِ على الوجودِ المسيحيِّ العربيِّ الأصيلِ في القدس.
أيها السيدات والسادة الكرام
في هذا العام بدأنا مشروع ترميم دير مار الياس والذي، كما تجري العادة، توقفت للصلاة فيه بطريقي الى مهد المسيح، حيث أن عملية الترميم تجري على قدم وساق بهدف الحفاظ على هذا الدير التاريخي وتعزيز مكانته كموقع حجيج لملايين المسيحيين حول العالم. وفي إطار مشابه، لقد انهينا هذا العام ترميم مبنى مدرسة مار متري في البلدة القديمة، لتوفير أجواء مريحة لطلبة المدرسة وصوّن مبناها التاريخي، بالإضافة الى عشرات المشاريع الخيرية التي تقوم عليها بطريركيتنا بدعم من أبنائها بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.
وأطلقنا مشروع “لنا” القدس، الذي بدأ العمل فيه فعلياً بعد سنوات من الجهد والعمل تحت الضغوطات والتشكيكات، فاستطعنا هذا العام أن نرى بأم اعيننا تجسد رؤيتنا لتعزيز صمود أبنائنا في منطقة القدس من خلال هذا المشروع الاسكاني الكبير الجاري بناءه في بيت حنينا شمال القدس، والذي سيضم 400 شقة سكنية ومركز تسوق ومرافق خدماتية متعددة.
واهتمامنا بتوفير السكن لم يقتصر على القدس، فها هي مشاريع الاسكان تنطلق في بيت جالا وتستعد لانهاء الامور القانونية لاطلاق مشروع آخر في بيت لحم لفائدة أبناء كنيستنا. وهذه المشاريع لم تثنينا عن استمرارنا بدعم المشاريع الخيرية والتعليمية وغيرها من القطاعات الحيوية خدمة لمجتمعنا الواحد في المناطق المختلفة.
وحين الحديث عن هذه المشاريع وغيرها دائماً نتذكر ما ورد في رسالة بولس الرسول الى أهل رومية في الاصحاح الثاني عشر حين يقول: لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير. دعونا ونحن نحتفل بهذا العيد أن نعكس نور وحب المسيح لجميع من حولنا بغض النظر عن جنسهم او دينهم او عرقهم او انتمائاتهم السياسية.
في هذا العيد نستذكر الوكيل البطريركي الراحل المرحوم ثيوفيليكتوس، حيث ان هذا هو عيد الميلاد الاول الذي نفتقده فيه باحتفالنا بمدينة مولد السيد المسيح، وفي نفس الوقت فاني اتمنى من الله ان يوفق وكيلنا الجديد في بيت لحم، المطران فينذكتوس بمهامه ومسؤولياته تجاه كنيسة المهد ولخدمة رعيتنا في بيت لحم.كما ادعو الى الله أن تَبِث هذه الايام المباركة الحياة لآمالنا، وآمال جميع الشعوب العالم لتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر، والاحترام المتبادل والوئام والتعاون في إطار من الوحدة والتنوع لبناء أسُس متينة لعالم يملؤه السلام. ذلك السلام الذي يسعى لتحقيقه فخامة الرئيس محمود عبّاس بلا كلل ولا ملل، ويقف صلباً امام العالم ليُعلي كلمة الحق والعدل، ويسانده ويدعمه في كفاحه هذا مُرَسّخ قيم الوئام، وحامل لواء العهدة العمرية، الوصي على المقدسات الاسلامية والمسيحية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه.
انه لا يسعني في ختام كلمتي الا ان اشكر معالي الدكتور رمزي خوري، رئيس اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس، واعضاء اللجنة كافة، على ما يقومون به من دعم للكنائس ودفاعاً عنها في وجه التحديات التي تفرضها الظروف التي تعيشها وخاصة في مدينة القدس. كما اتقدم بعظيم الشكر وموفور التقدير والامتنان الى دولة رئيس الوزراء، الدكتور محمد اشتيه، وحكومته، لما تقدمه، بالتعاون مع اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس، من دعم وتسهيلات لمشاريعنا ومؤسساتنا الهادفة الى تعزيز وجودنا الاصيل في الارض المقدسة.
ونتمنى ان يكون العام القادم، عاماً افضل، وقد تحققت امال واماني شعبنا العظيم في الحرية والكرامة والاستقلال في دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
“إنَّ يسوع أتى ليجمع أبناء الله المُشَتَّتين إلى واحد” (يوحنا 52:11)، “فإن سلامَ اللهِ الذي يَفوقُ كلّ عقلٍ يحفظ قُلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع” (فيليبي 7:4). “فافرحوا وانقادوا للإصلاح والوعظ، وكونوا على رأي واحد وعيشوا بسلام، وإلهُ المحبّةِ والسّلامِ يكون معكم.
وكل عام وانتم بالف خير وسلام