مقالة للسفير قيس شقير.
رئيس بعثة جامعة الدول العربية في برازيليا.
20/4/2023
مقالة نُشرت باللغة البرتغالية أمس، وهذه ترجمتها:
عشية التغطية الإعلامية الدولية لدائرة العنف المستمرة في القدس الشرقية وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة ، كتب “ميلاني ماكدوناغ” في مجلة كاثوليك هيرالد أن عدد مسيحيي القدس قد تقلص إلى حوالي عشرة آلاف ، أي أقل من 2٪ من إجمالي السكان، من نسبة 11٪ في المتوسط قبل بضعة عقود. وأما المسيحيون في سوريا والعراق الذين استهدفهم تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (ISSIS) فتمت حمايتهم من قبل المجتمع الدولي، وما يزال المسيحيون في الأرض المقدسة ينتظرون هذا النوع من الاهتمام والعدالة من المجتمع الدولي، ومعهم شعبهم الفلسطيني.
ويواجه المسيحيون في القدس بشكلٍ أساسيٍ المشاكل ذاتها التي يتعرض لها جميع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فإذا أراد مقدسي على سبيل المثال، الزواج من شخصٍ من مدينة بيت لحم، فسيضطر الزوجان إلى الانتظار لعشرين عامًا للحصول على تصريح إقامة للعيش معًا في القدس. وغالباً ما تواجه الكنائس نفسها هذه الصعوبات بشكلٍ يوميٍ، نتيجة نشاطات المستوطنين اليهود في المدينة المقدسة والتي تتعارض مع ثقافات الديانات التوحيدية الثلاثة والتي تضفي على القدس طابعها الفريد.
ولا يمثل المستوطنون الأغلبية في الرأي العام الإسرائيلي، لكن النظام الانتخابي في إسرائيل يمنح الأحزاب الصغيرة نفوذاً أكبر من تمثيلهم السياسي الفعلي.
وتمضي المقالة بسرد بعض المشاكل اليومية التي يواجهها المسيحيون على الأرض، كإهانة بعض المتطرفين اليهود لرجال الدين المسيحيين في المدينة المقدسة. ففي الآونة الأخيرة، تعرض البطريرك الأرمني للمدينة للبصق من قبل جنديٍ إسرائيليٍ يرتدي الزي العسكري أثناء مسيره بموكبٍ رسميٍ. كما لم تسلم أماكن ذات رمزيةٍ دينيةٍ من مثل هذه الانتهاكات.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد تقدمت مؤخرًا بمشروعٍ لتوسعة الحديقة الوطنية حول “جبل الزيتون”. وهي منطقةٌ مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بحياة السيد المسيح، وستؤثر التوسعةسلبًا على عشرين موقعًا مقدسًا مسيحيًا. ويتضمن المشروع حديقةً كبيرةً تربط بين تجمعين للمستوطنين. وبمجرد دخول المستوطن الإسرائيلي إلى الحديقة ، يحق له الحصول على حماية الشرطة المسلحة الإسرائيلية، ما يجعل المنطقة في المقابل، غير آمنة للفلسطينيين.
وستتم إدارة الحديقة من قبل “سلطة الحدائق والطبيعة” الإسرائيلية، على الرغم من أن المنطقة المحددة تقع ضمن الأراضي المحتلة وهي خارج نطاق القانون الإسرائيلي من الناحية القانونية. وفي هذه الحال، قد يفقد السكان والكنائس الفلسطينية السيطرة على ممتلكاتهم في المنطقة.
وللأسف، فإن سلطات بلدية القدس لا تراعي خصوصيات الكنائس، فهي تنظم حفلات في الجوار متجاهلةً تمامًا قدسية المكان، وتُغلق بالعادة أجزاءً من البلدة القديمة لعدة أيامٍ، وبالتالي، فإن الوصول إلى الكنائس سيكون مستحيلاً. وقد رصدت البطريركية مؤخراً بعض الأنشطة الترفيهية التي تجري في البلدة القديمة ، في الباب الجديد بجوار الكنيسة، دون إخطارٍ مسبقٍ لها، حيث يتم عزف الموسيقى من العاشرة مساءً وحتى الخامسة صباحاً، مع تجاهلٍ تامٍ لقدسية الدير المجاور حيث يعيش ويعمل 80 راهباً.
وفي أوقات خلت، يكون الباب الجديد مغلقًا جزئيًا أو كليًا، وبالتالي لا يُسمح لأحدٍ بمغادرة الدير أو الدخول إليه.
وفوق ذلك، فإن مجموعةً من المستوطنين تسمى “عطيرت كوهانيم” شاركت منذ فترة طويلة في عملية شراءٍ غير قانونيةٍ لممتلكاتٍ استراتيجية في المدينة القديمة.
ويقع “فندق البتراء” و “فندق إمبريال” في منطقة ذات أهمية رمزية للكنيسة عند “بوابة الخليل”، وكذلك “النزل الكبير” للقديس يوحنا بالقرب من كنيسة “القبر المقدس”. وتمت هذه البيوعات عندما أعطى البطريرك الأرثوذكسي السابق توكيلًا رسميًا لمستشار ٍماليٍ قام ببيع عقود بيع عقاراتٍ وتأجيرها للمستوطنين على أساسٍ مشكوكٍ فيه قانونًا.
وقد طعن البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث بصحة هذه العقود أمام المحكمة العليا في إسرائيل، والتي رفضت الاستئناف المقدم منه قبل بضعة أشهر، رغم تقديم أدلةٍ جديدةٍ تبطل العقود تلك.
وعلق دانيال سيدمان المحامي الإسرائيلي المتخصص في العقارات في المدينة المقدسة بأن هذه ليست حادثةً منعزلةً، بل جزءٌ من خطةٍ شاملةٍ ترعاها الحكومة الإسرائيلية مباشرةً لتطويق المدينة القديمة ومحيطها، ودمجها في نسخة توراتية لمدينة القدس، لكي يتغلغل المستوطنون في المدينة القديمة بأنشطتهم ذات الصلة.
وفي الختام، فإن ما يحدث في مدينة القدس ليس مجرد تعرضٍ للحدائق وللفنادق، بل هو تهديدٌ لطابع المدينة المقدسة، وبشكل أكثر تحديدًا، لاستمرار الوجود المسيحي التاريخي في القدس.