الأخبار

حرب غزة تتكرر… إلى متى؟

١٧/١٠/٢٠٢٣
للبطريرك ميشيل صباح

“أيُّهَا المـُلُوكُ الآنَ تَعَقَّلُوا، وَيَا قُضَاةَ الأَرضِ اتَّعِظُوا. اعبُدُوا الرَّبَّ بِخَشيَةٍ وَقَبِّلُوا قَدَمَيهِ بِرِعدَةٍ” (مزمور ٢: ١٠).
مضى على الحرب في غزة عشرة أيام. ولم تبقَ اليوم حربًا، بل صارت جريمة، صارت قرارا بقتل وترحيل كل أهل غزة، مليونين من البشر. الحرب يجب أن تتوقف. يقول المزمور: “أيُّهَا المـُلُوكُ الآنَ تَعَقَّلُوا، وَيَا قُضَاةَ الأَرضِ اتَّعِظُوا” (مزمور ٢: ١٠). هذا كلام يتوجه اليوم إلى إسرائيل، وإلى وأصدقاء إسرائيل، وإلى حماس وأصدقاء حماس، وإلى الشعب الفلسطيني كله.
قد تتوقف الحرب في غزة ولن ينتهي الصراع. كما حدث في الحروب السابقة على غزة. ليس هذا هو المطلوب. ويمكن التوصل إلى وقف إطلاق النار، وهذا أيضًا ليس الحل. والانتقام ليس الحل، وإبادة غزة ليس الحل. ليس في هذه الحلول سلام لا لإسرائيل، ولا لفلسطين، ولا للمنطقة، ولا للعالم، لان القضية صارت عالمية.
تبادل الأسرى، هي الخطوة الأولى للعودة إلى الإنسانية، إنْ قبل بها الأقوياء والمصمِّمون على إبادة غزة. وقبل ذلك، يجب أن تتوقف طبعًا إبادة غزة وترحيل أهلها. ثم يجب تحرير الرهائن والأسرى لدى حماس، وتحرير الرهائن والأسرى لدى إسرائيل. ولكن، لدى إسرائيل الوف الأسرى الفلسطينيين، أسرى هذه الحرب، والأسرى منذ سنين طويلة. والشعب الفلسطيني كله أسير. تحرير الأسرى يعني أن يعود الجميع احرارًا إلى بيوتهم وذويهم. وهل يعود فعلًا الشعب الفلسطيني كله حرًّا؟
الإنسانية تقتضي أن تتوقف المأساة اليوم في غزة، وأن يتعلّم جميع المسؤولين الدرس من هذه الحرب والحروب السابقة. فيُلقَى الأساس المتين لسلام عادل ونهائي لا نرى من بعده حربًا جديدة في غزة، أو في أي مكان في فلسطين. الحرية للجميع، والعدل للجميع، والمساواة للجميع، والسلام للجميع.
هل هذه الخطوة ممكنة؟ هل تحرير الشعب الفلسطيني من احتلال إسرائيل ممكن؟ فيُحرَّر كل باقي الأسرى في مختلف مراحل الصراع، لدى حماس ولدى إسرائيل؟ هل يمكن عقد مؤتمر دولي يقرِّر وينفِّذ في أشهر، ولا تبقى قراراته حبرًا على ورق، فيعطي لإسرائيل ما يحق لإسرائيل، ويعطي الشعب الفلسطيني ما يحق للشعب الفلسطيني؟ الحرية نفسها، الكرامة نفسها، والدولتان، والقدس عاصمة لكل من الدولتين، على الصيغة التي يتفقان عليها، القدس العربية عربية، والقدس الإسرائيلية إسرائيلية؟
هذه هي القضية الأساس التي تنفجر من فترة لأخرى في غزة أو جنين أو في أي مكان، هي قضية شعب أسير منذ أكثر من سبعين سنة. والأسرة الدولية تنظر وتعرف وكأنها راضية بالنظام القائم، وهيئة الأمم لديها قرارات للحل، ولا تجرؤ على تطبيقها. القضية سياسية وإنسانية، أسرى ورهائن يجب أن يعودوا إلى أهلهم وأحبائهم في إسرائيل، وأسرى ورهائن أيضًا يجب أن يعودوا إلى أهلهم وأحبائهم في فلسطين. وسلام وأمان للجميع.
كلا الشعبين قادران على صنع السلام، وعلى أن يعيشا في أرض خلقها الله لتكون أرض سلام وخلاص للبشرية. الشعب الفلسطيني والإسرائيلي قادران على أن يعيشا بسلام جنبًا إلى جنب، كل واحد مستقل في دولته. ومتى صنعت إسرائيل السلام مع الشعب الفلسطيني، إذاك، وإذاك فقط ستجد أمنها، ولن تتكرر الحروب، وسيكون سلام حقيقيّ ثابتٌ وشامل لكل شعوب المنطقة.
تكررت الحرب على غزة أكثر من مرة. أيُّهَا المـُلُوكُ الآنَ تَعَقَّلُوا، وَيَا قُضَاةَ الأَرضِ اتَّعِظُوا”. يا حكام الأرض لا تدعوها تتكرّر. تبادلوا الأسرى. تبادلوا القلوب وفي القلوب فقط يجد الإسرائيلي والفلسطيني أمنه.
“أيُّهَا المـُلُوكُ الآنَ تَعَقَّلُوا، وَيَا قُضَاةَ الأَرضِ اتَّعِظُوا ” (مزمور ٢: ١٠). الآن أوقفوا الحرب. عودوا إلى الإنسانية. واصنعوا السلام العادل والنهائي للشعب الفلسطيني وللشعب الإسرائيلي. “أيُّهَا الَّذِينَ يَحكُمُونَ الأرضَ أحِبُّوا البِرَّ”، (حكمة ١:١-٢)، واصنعوا السلام في أرض الله والإنسان.

Shares: