الأخبار

الطريق إلى المغطس.. ألغام واحتلال

على مقربة من أقدم أديرة العالم، دير حجلة، يقع المغطس، إلى الشرق من أقدم مدن العالم أريحا، حيث عمّد يوحنّا المعمدان قبل أكثر من ألفي عام، سيدنا عيسى وكان في عمر الثلاثين، قادما من الناصرة.

في هذه المنطقة، يفرض الاحتلال نفسه بقوة السلاح والسيادة على المغطس، عبر أبراج مراقبة وأعلام ومحال تجارية، تحاول إبراز المكان كأثر يهودي.

قبل الوصول إلى المغطس لا بد من عبور نقطة مراقبة وتفتيش للاحتلال، ثم المرور في طريق مستقيم تحيطه على الجانبين لافتات صغيرة خطّ عليها “احترس من الألغام”. ألغام زرعها الاحتلال عقب احتلاله باقي الأراضي الفلسطينية في العام 1967، حيث استولى على المنطقة وما تحويه من حضارة إنسانية وتاريخ وكنائس وأديرة محاطة بأسلاك شائكة تسمح فقط للواصلين إلى تلك المنطقة بالنظر بالعين المجردة عن بعد عشرات الأمتار، والتقاط الصور البعيدة، دون منحهم فرصة الاقتراب من أبنية لا يعرف منها الفلسطيني سوى اسمها والذي لم يتركه الاحتلال على حاله.

منذ سنوات قليلة، عمد الاحتلال إلى تغير اسم المكان عبر يافطات وإشارات للسياح كتب عليها: قصر اليهود. فيما يؤكد رؤساء أديرة ورهبان أن لا آثار قديمة لليهود في هذه المنطقة.

في العام 1967، أغلقت سلطات الاحتلال المغطس ومحيطه من الأديرة والكنائس والمواقع الدينية الأثرية، لمدة أربعين عاما.

غير بعيد عن المغطس، بني دير حجلة على يد القديس جيراسموس سنة 455 ميلادي، ويعود سبب التسمية الى أن مريم العذراء حملت المسيح ومشت به بطريقة الحجل، إضافة لانتشار طير الحجل الفلسطيني في المكان.

يقوم الأب خريستو برعاية المكان منذ أعوام طويلة، حيث حول الدير ومحيطه إلى قرية صغيرة توفر لنفسها اكتفاء ذاتيا، بفضل استصلاح الأراضي، وزراعة الحمضيات والخضراوات والحبوب والنخيل، وتتوفر فيها المطاعم والمقاهي ومحال بيع التحف والهدايا والطبيعة الخلابة من أشجار الزينة ومساحات من حدائق النخيل، حيث يقصدها السياح من فلسطين وخارجها، إضافة إلى تربية الخيول والأغنام والطيور بكافة أنواعها، خاصة الطواويس والعصافير والحمام والدجاج.

وفي الدير يوجد معمل لتصنيع لوحات الفسيفساء، ومصنع للشموع، حيث يعمل في الدير العديد من سكان أريحا، إذ يقصده المحتاجون للعمل، وفي حال لم يتوفر لهم ذلك، فإن الدير يساهم بشكل بسيط في دعمهم ماديا.

ويعتمد الدير في تصنيع لوحات الفسيفساء على حجارة الضفة الغربية، وهي عبارة عن حصى بمختلف الألوان بحجم سنتمتر واحد، يفقد منها في بعض الأحيان اللون الأزرق وبدرجة أقل اللون الأحمر، ويؤتى بها من إيطاليا.

دخل دير حجلة موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية، بأكبر لوحة فسيفساء معلقة، والتي بناها فنانون من اليونان ومتدربون فلسطينيون، وتحوي 300 دير وكنيسة، وعدة مدن وطرق، من أجل إحياء المنطقة الذي يعيقه الاحتلال، حيث أوقف البناء في مسرح الدير، ورفعت القضية الى المحكمة العليا الإسرائيلية لإلغاء القرار واستئناف البناء، وتهدف لوحة الفسيفساء إلى جلب الدارسين والباحثين لعمل دراسات حول الأديرة في القرون الرابع والخامس والسادس الميلادي، حيث قدم إسكندر المقدوني الى المنطقة بسلام حاملا معه الفكر واللغة والفلسفة وبنى عشر مدن، منها جرش وفيلادفيا وبيسان.

على بعد 14 كيلومترا، شمال شرق رام الله، توجد بلدة الطيبة، المعروفة بزراعة الزيتون، وبإنتاجها لزيت الزيتون، ذكرت باسم عفرة، والتي تعني التراب الناعم والغزالة، وذكرت باسم أفرام وتعني “الأثمار المضاعفة”، ووصفها صلاح الدين الأيوبي بـ”طيبة الأم” لتصبح فينا بعد “الطيبة”.

كنيسة الخضر أو مار جريس، ومعناها الحارث، وهي كنيسة بيزنطية بنيت في القرن الخامس الميلادي، بجوارها كنيسة ذات طراز عمراني غربي صليبي بنيت في القرن الثاني عشر، ودير ما أفرام، وبناه الراهب جاك فرانت في العام 1990، والبوبرية وهي قلعة صليبية، وبيت أفرام، وهو بيت قديم يعود إلى أكثر من 500 سنة، وما زال قائما في ساحة كنيسة دير اللاتين.

وحول كنيسة الخضر، يقول الأب جاك، إن الكنائس البيزنطية إذا كان أصحابها من الأغنياء كانت أرضية الكنيسة كلها مرصوفة بالفسيفساء وتملؤها لوحات من وجوه بشر وطيور وحيوانات وأشجار وغيرها من الرموز، بينما هنا الصليبيون خلعوا الفسيفساء وبنوا نمط تبليط يعتمد على بناء صفي حجر وصف فراغ، وهو نمط التبليط عند الصليبيين، بينما في العصر البيزنطي كانت كل الأرض مرصوفة بالفسيفساء.

في شارع اسفلتي كان يصل حتى باب الكنيسة تمت إزالة أجزاء منه، اكتشف فريق فرنسي يضم عالم آثار لعمل ترميمات على الموقع، قبوا أثريا على شكل نصف دائرة، وجد فيه مشاعل وفخار وأسرجة إضاءة، وكيلوغراما من الحلي من خواتم وأساور وحلق من ذهب.

والطيبة البلد الوحيد التي بقيت مسيحية، ولا يوجد فيها مساجد أو ملاكون مسلمون، وهي أحد المواقع المهمة في زيارات الأرض المقدسة، فهي على المحور الرئيسي للمسار الجبلي الذي يربط القدس عبورا في الجبال حتى الناصرة.

المسير من المغطس إلى دير حجلة إلى الطيبة، قام به نحو ثلاثين صحفيا، ضمن جولات تنظمها اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين، لتعزيز الوعي الوطني لأهمية الحضارات التي عبرت فلسطين، وحماية الأماكن التاريخية والدينية من محاولة الاحتلال الهيمنة عليها، والذي يشمل في مراحل قادمة، طلبة جامعات ومدارس، من خلال زيارات لأماكن تصنف تحت السيادة الإسرائيلية، وذلك تعزيزا للتواجد الفلسطيني فيها، وإظهارها للعالم، وقيم العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، وإبراز أن الوجود المسيحي في فلسطين أصيل وليس دخيل، وهم من أبناء البلد.

Shares: