الأخبار

ما هو خطاب الكراهية؟

خطابُ الكراهية هو حالة هجاءٍ للآخر، وهو بالتعريف كل كلامٍ يثير مشاعر الكره نحو مكوّنٍ أو أكثر من مكوّنات المجتمع، وينادي ضمناً بإقصاء أفراده بالطرد أو الإفناء أو بتقليص الحقوق، ومعاملتهم كمواطنين من درجة أقل. كما يحوي هذا الخطاب، ضمناً أو علناً، شوفينية استعلائية لمكوّن أكثر عدداً أو أقدم تاريخاً في أرض البلد أو أغنى أو أي صفةٍ يرى أفرادُ هذا المكوّن أنها تخولهم للتميّز عن غيرهم. وقد يتجاوز خطابُ الكراهية البلد الواحد ليتوجّه إلى شعوبٍ وفئات وشرائح خارجه. مثل حادثة المباراة بين فريقي الجزائر ومصر في السودان، وما دار حولها من خطابات كراهية في البلدين، تورط فيها مثقفون كبار لشتم الشعب الآخر! ومثل الخطاب الغربيّ بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الموجَّه عن المسلمين في أركان المعمورة!ما هو خطاب الكراهية؟

وإذ ليس لخطاب الكراهية قانون معيّن، فإن انتشاره يتزامن عادة مع الانكسارات والتحركات الكبرى للشعوب، مثل ما حدث ويحدث منذ خمس سنوات في الإقليم مما دُعِيَ بالربيع العربي. فقد ازدهر خطاب مريضٌ يصنّف الناس والشرائح والطوائف والأعراق خارج حقوق الإنسان، وخارج البعد الإنساني والأخلاق والأخوّة الإنسانيّة، بل وخارج العقل أيضاً، وإذا شئت خارج الدين. كما احتفظ التاريخ بسجلٍّ غير شريف لجعل الدين أو العرق سبباً لتحليل جرائم التاريخ، كنكبة الأرمن والأكراد في تركيا العثمانية والمعاصرة، وكالممارسات الصهيونية على أرض فلسطين المحتلة، وما فعلته حملة كولومبوس الأوروبية مع السكان الأصليين في الأميركيتين.

ومحرّك هذا الخطاب دائماً هو التعصّب، الذي تستثيره ثقافةٌ طارئةٌ أو قديمةٌ في المجتمع، تغذيها التربية في المنزل والمدرسة، مثل ذلك الفيديو المتداول على “فيسبوك” عن صورة الفلسطيني والعربي لدى أطفال اليهود الإسرائيليين، إذ تُحفَرُ الكراهية حفراً في العجينة الطرية لأرواح الأطفال حيث يستحيل أن تُمحى بعد أن تشتدّ وتصلُب! ويأتي الإعلام ودور العبادة والمنظمات الرسمية والأهلية، في المرتبة الثانية في الخطورة في نشر هذا الخطاب. وعندما نقول الإعلام فنقصد وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعيّ والمنابر بأنواعها. وعندما نقول دور العبادة فمن ضمنها كل ما ينبثقُ عنها وحولها. وعندما نقول المنظمات فمنها الأحزاب والجمعيات التي تتكوّن على أساس دينيّ أو إقليميّ أو عنصريّ أو طائفيّ أو عرقي أو…

فإذا فحصنا خطاب الكراهية عندنا وجدنا أنه يتراوح بين خطاب إقليميّ ظاهر ومستتر، وخطاب طائفيّ صريح يُعلي غالباً الإسلام السنّي فوق سواه، في مراوحاتٍ بين استنكار تهنئة المسيحيين في أعيادهم الدينية، والتساؤل حول إذا ما كان الشيعة مسلمين! وفي خطابٍ جنسويّ يشيئ المرأة ويصغّرها ويحوِّلها من إنسانةٍ إلى حبة شوكولاتة ينبغي تغليفها من الذباب والغبار! أو يبرر إيذاءها جسدياً ويبرّر التحرّش بها، ويضعها في مصاف الحيوانات في التشبيه والمجاز، وينادي بحبسها في البيت، ويشيطنها كجسد وفتنة.

ولذا، ولأنّ آثار خطاب الكراهية لا يمكن حصرها في مكان أو مجموعة من البشر، بل هي من الفتك بحيث لا ننتبه إلا والمجتمع قد غدا كريهاً في معناه وفي مبناه، وفي هجر قيم الدين في جوهرها المحبّ والمسالم، وقيم الإنسانيّة، فلا بدّ أن تسعى مؤسسات التربية والتعليم، والإعلام الرسمي والأهلي، والمؤسسات الأخرى المعنية من العمل على مقاومة شهوة الوصم والتصنيف والإدانة والاحتقار لأفراد وجماعات على أساس الدين والعرق والإقليم والطائفة والجنس واللون وغيرها مما تجود به أمراض البشريّة على البشر. مع تحريك المؤسّسة القانونيّة للأخذ على كل من يعكّر صفو الخطاب بالكراهية وبثّ الأحقاد، على أساس الدين والعرق والطائفة والجنس والإقليم واللون… مما لا يد للأفراد فيه؛ فنحن لا نختار لوننا ولا الإقليم الذي وُلدنا ونشأنا فيه، ولا ديننا (غالباً)، ولا جنسنا، ولا عرقنا ولا طائفتنا (غالباً)… فلم يصحُّ أن يُحكَمَ علينا فيما لا يد لنا فيه؟ وممن؟ من أفراد أو مؤسسات لا يد لها فيما هي فيه من دين أو عرق أو جنس أو…

قانونٌ لخطاب الكراهية بات ضرورياً بعد أن تغوَّلت مؤسسات دعويّةٌ ودعاة معروفون على حقّ الوطن بسلام مجتمعيّ، يتيح للجميع البناء والتقدّم.

دعونا لا نفقد الأمل…!

(نقلاً عن جريدة الغد الأردنية)

 

Shares: