نضع بين أيديكم المقابلة التي أجرتها وكالة زينيت الكاثوليكية مع غبطة البطريرك المتقاعد ميشيل صبّاح، بطريرك القدس للاتين، حول عدد من مجريات الأمور في البلاد. وقد ترجمها إلى العربية مكتب إعلام البطريركية اللاتينية:
على الصعيد الدولي، هل بوسع الكرسي الرسولي المساعدة في الحوار الفلسطيني الإسرائيلي؟
في اعتقادي أن الكرسي الرسولي يستطيع أن يلعب دورًا فريدًا من أجل تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأرض المقدسة. الطرفان يقبلانه، وهو فوق جميع الأحزاب. بالقيم الإنجيلية التي يؤسس عليها فكره وعمله، له حضور في العالم كله، مع المحافظة على حريته تجاه العالم وقضاياه. لهذا أنا أعتقد أن الكرسي الرسولي هو الكيان الوحيد الذي يستطيع أن يقوم بمثل هذه الوساطة، خاصة في هذا الوقت وفي هذا الجمود في الوضع الحالي. الدول كلها، حتى الدول الكبرى، فشلت حتى الآن. ولم يبقَ سوى الكرسي الرسولي الذي يقدر في رأيي أن يقوم بمثل هذه الوساطة. وفي إسرائيل والعالم اليهودي، يرغب الكثيرون في نهاية هذا الصراع في الأرض المقدّسة. وكذلك الفلسطينيون مستعدون لقبول مثل هذه الوساطة. آمل حقاً أن يتمكن الكرسي الرسولي من المساهمة في تحقيق السلام، في المكان نفسه، أي القدس والأرض المقدسة، الذي جاء إليه يسوع المسيح ليمنح العالم كله السلام.
لماذا قامت لجنة العدل والسلام بنشر بيان يتعلّق بمسألة التطبيع؟
نشر هذه الوثيقة غير مرتبط بأي حدث معيّن. إنما تتدارس اللجنة في لقاءاتها الشهرية، في مجريات الأمور في البلاد. وتوقفنا في مناقشاتنا عند هذا الموضوع لأهميته ولكونه قضية تهم الجميع، الفلسطينيين والإسرائيليين وهي أننا ما زلنا في وضع صراع بدأ في مطلع القرن العشرين ولم ينته بعد. قامت حروب ومواجهات عديدة بين الطرفين، ولم يقدر أي منهما أن يضع حًّدا لحالة العداء المتبادل. في هذه الحالة، وبسبب هذا الصراع الدائم، والذي هو ’جرح نازف دائمًا وغير ملتئم‘، يموت كل يوم رجال ونساء وأطفال ويعانون وكأنهم منسيون. كما ويبدو أن بعض الناس قد اعتادت العيش مع هذا الصراع والموت اليومي والكراهية المتبادلة. وينطبق نفس الشيء على العديد من الزوار السياسيين أو رجال الدين، أو الحوارات الدينية المحلية أو الدولية، والكهنة والحجاج الذين يأتون ثم يرجعون من حيث أتوا، وكأن الأمور في حالة طبيعيّة، وكأنه لا يوجد صراع أو ظلم يجب إصلاحه أو احتلال ينبغي إزالته، أو كأنه لا يوجد شعبان يجب أن تتمّ المصالحة بينهما. الحوار الذي يتم هنا، يجب أن يكون عارفا للواقع الذي يعيشه الناس، أن يجعله موضوع صلاة، لكي ينتهي الصراع ويتمكن الشعبان من التوصل إلى المصالحة والبدء بحياة حقًا ’طبيعية‘.
ما هو دور الكنيسة المحلية؟ ما هو موقفها؟ ماذا تنتقد فيها؟
قسم في الكنيسة يعي أن هناك علة تحتاج إلى شفاء. وقسم آخر يخاف أن ’يحرق أصابعه‘ أي يخاف أن يتورّط، فيقول أنه لا جدوى من التدخل وأن المسألة سياسية فقط، خالية من أي بعد إنساني يلفت انتباه الرعاة ومحبتهم ويدفعهم إلى العمل بحسب ما يلزم، ليس الأمر دعوة إلى ثورة، بل دعوة إلى تكملة الصلاة التي تتم في داخل بيت الله، بإلقاء نظرة على ما يجري في الشارع، وبمحبة تحمل هموم الإنسان المتألم، وبمحبة تحاول أن تساعد على شفاء جراح يعاني منها الكثيرون.
هل تود أن تجيب على سؤال آخر؟
أود أن أذكر وجهة نظر أخرى. بالنسبة إلى السلطات السياسية كما وبعض السلطات الكنسية، يعتبر الوضع ’السياسي‘ هنا موضوعًا لا يجوز التدخل فيه. إلا أن الوضع السياسي ليس فقط سياسيًا بل هو وضع ’إنساني‘، فيه رجال ونساء يتألمون، ويجب مساعدتهم. يجب بكل بساطة التنبه لوجودهم ومعاناتهم، ولا يجوز اتخاذ موقف الرجل الغني كما ورد في مثل الإنجيل، الذي لم يقدر أن يرى أليعازر الفقير الجالس على بابه. ملخص القول: ليست القضية قضية اتخاذ موقف سياسي، ولكنها قضية مقدرة الكنيسة على رؤية ’الإنسان‘ المتألم. بالنسبة إلى الكنيسة، وإلى كل مسيحي، وبالنسبة إلى يسوع المسيح، كل ما يتعلق بالإنسان يهم الكنيسة والمسيحي. إن ما يجري اليوم في فلسطين وإسرائيل هو وضع إنساني غير طبيعي، وعلى كل من يعيش في هذه الأرض أو يمر بها عليه أن يدرك ذلك، وأن يكون لديه الشجاعة الكافية والمقدرة لكي يحب ويقول كلمة ’تشفي‘.