الأخبار

كيف تريدين أن تموتي؟ يوميات صحافية مختطفة

لندن – وكالات – وصلت سوزان دبوس برفقة ثلاثة صحافيين إيطاليين عبر الحدود التركية إلى قرية الغسانية شمال سورية أوائل أبريل/نيسان 2013 لتصوير آثار الدمار الذي طال الكنائس بعد قتال بين قوات المعارضة وقوات النظام، انسحبت فيه الأخيرة من المكان. كان التصوير لصالح تلفزيون “راي” الإيطالي الذي عملت معه سوزان من مكتب بيروت. ولم يرق للمجموعة المسلحة زيارة مجموعة إعلامية أجنبية تريد “التلصص” عليهم، ولم يرق لهم أن الشابة ذات الأب السوري، ليست متدينة كما يجب أن تكون عليه المرأة من وجهة نظرهم. لحظات صعبة وجدت فيها نفسها في وضع مفارق يكشف الصراع بين ثقافتين، ثقافة الحياة وثقافة الموت، أو (ما يسمونه الاستشهاد). وقررت سوزان أن تعيش تلك الأيام بالحيلة.

في اليوم الرابع دخلت عليها امرأة، وسألتها عما تفعله في هذا المكان الخطر؟ فردت عليها “هذا بلدي، وهنا تعيش عائلة أبي، ما الذي تفعلينه أنت هنا؟ كانت الشابة التونسية هي المرأة الوحيدة في القرية الجبلية التي هجرها سكانها. عرّفت نفسها بأنها “مريم”، زوجة أحد المقاتلين. ولأن اللهجة التونسية غير مفهومة لسوزان، راحت الاثنتان تتواصلان باللغة الفرنسية وتتقاسمان العمل في المطبخ. ارتدت سوزان عباءة تغطيها من رأسها حتى أخمص قدميها، ولم تعد تعرف ماذا حل ببقية زملائها الصحافيين الذين أخذوا إلى مكان آخر.
تقول دبوس التي كتبت عن تلك التجربة في كتاب لها بالإيطالية وبنسخة إلكترونية بالإنجليزية عنوانه: كيف تريدين أن تموتي؟ “ربما لن نعرف أبدا تفاصيل المفاوضات التي تدخلت فيها عدة أطراف وساعدت على إطلاق سراحنا”، لكنها علمت عن تمسك الخاطفين بها كونها من أصول سورية، ورفض الإيطاليين للفكرة، ولا تزال تتذكر مشاعر الخوف والقلق التي اجتاحتها ودفعتها لإثبات إسلامها، لمقاتلين يتراوح عددهم بين 50 و70 يسيطرون على البلدة، بدءاً من قراءة القرآن والاستيقاط المبكر للصلاة.
في لقاء دبوس مع جمهور حضر إلى الجمعية الملكية للأبحاث (تشاتام هاوس) في لندن، للترويج للكتاب في نسخته الإنجليزية، بدا واضحا أن عدة أسئلة ركزت على نمطية النظرة إلى الإسلام والكتائب الإسلامية، فقد سئلت عن القلق من احتمال تعرّضها للاغتصاب من قبل المقاتلين، وعما إذا كانت الغاية من خطف الفريق الصحافي الحصول على المال، لكنها نفت الفكرتين بحزم، “ليس مع هذه المجموعة أبدا”.
دفعت فترة الخطف سوزان إلى مواجهة ثقافتها الأصلية، والمقارنة بين إسلام متسامح عايشته بين أفراد عائلة أبيها، وبين أيديولوجيا تمجد الموت.
هل ستعودين إلى سورية لتغطية الأحداث مرة أخرى لو أتيحت لك الفرصة؟ تنفي الفكرة. وبحركة عفوية تضع يدها على بطنها من فوق الثوب الأسود، لتعلن “لست وأنا حامل على الأقل”، مضيفة أن عملها هي وزوجها بات الآن في مكتب بالقدس، ولم يعد في بيروت كما كان قبل سنتين.
Shares: