اختتمت مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية مؤتمرها السنوي السادس عشر الذي عقد في العاصمة الأميركية واشنطن، بمشاركة 350 شخصية سياسية ودينية واقتصادية فلسطينية وأميركية، بالإضافة إلى شخصيات من مختلف الدول العربية بالدعوة إلى تشكيل تحالف إسلامي مسيحي لحماية مسيحيي الشرق من جهة، وتعزيز العمل للعيش المشترك والاستفادة من التجربة المتميزة فلسطينياً لهذا التآخي الإسلامي المسيحي، ونقلها إلى الدول العربية التي تعاني من التطرف والإرهاب في السنوات الأخيرة، والعمل من أجل تعزيز وتقوية الاقتصاد الفلسطيني، من خلال السعي لدمج رجال الأعمال المغتربين وإشراكهم في بناء مؤسسات الدولة والاقتصاد.
وشارك في فعاليات افتتاح المؤتمر العديد من الشخصيات التي تحدثت عن واقع الشرق الأوسط، والواقع المسيحي، ودور الشخصيات المسيحية في حماية وتعزيز الدين المسيحي، ورفض الظلم والعبودية، وكيفية نشر هذه المفاهيم، وجعلها أداة للتواصل بين البشر.
واشتملت كلمات الافتتاح على عدة قضايا من بينها الواقع في الشرق الأوسط، وكيفية لعب دور مسيحي فيه لإحلال السلام ونبذ العنف، خصوصا في فلسطين، من خلال الإشارة إلى التآخي المتميز في فلسطين والتي تعتبر النموذج العالمي في المحبة الإسلامية والمسيحية، وضرورة أن تكون نموذجا لإحلال السلام.
وتطرق المتحدثون إلى أهمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتعزيز ثقافة السلام وكان من ابرز المتحدثين في هذا المجال الدكتورة حنان عشراوي، والمطران عطا الله حنا وراتب ربيع، وكلوديت حبش، والدكتور صليبا صرصر، وكريستين هيل، والكاردينال تيودور ماك كاريك، والناشط الشبابي سامر مخلوف، ورجل الأعمال رفيق المصري، والدكتورة حنان عرفات خليل، وسليم الهودلي، والأب مايكل ماكدونا، ونورا عريقات، والقس ريتشارد غراهام، وانطوني حبش.
وقال رئيس المؤسسة راتب ربيع، إنه وفي إطار الجهود لحماية مسيحيي الشرق من الهجمة التي يتعرضون لها مؤخرا بشكل لم تعهده المنطقة فقد خرج المؤتمر بتشكيل تحالف إسلامي مسيحي، لحماية الحياة المشتركة وتعزيزها، ونبذ هذه الحالة الغريبة عن مجتمعنا العربي.
وأكد ربيع أن هذا التحالف يسعى لحماية المسيحيين الأصليين والأقليات الدينية الأخرى في الدول العربية، من خلال استعادة التعايش التاريخي للمسيحيين والمسلمين، والحفاظ على وجودهم كجزء من نسيج الحضارة العربية والإسلامية.
وقال ربيع، إن التحالف سيعقد مؤتمرين مهمين بهذا الخصوص الأول في العاصمة الأميركية واشنطن بداية العام 2015، والثاني في احدى الدول العربية بعد عدة أشهر، موضحا إن هذا التحالف يضم العديد من الشخصيات الإسلامية والمسيحية بالمنطقة والعالم، كما انه مفتوح لأي شخصيات أو مؤسسات ترغب بالانضمام إليه، كما وانتخب أعضاء التحالف رئيس مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية ليكون رئيسا للتحالف والإعداد للمؤتمرات التي جرى إقرارها.
دعوة لبناء اقتصاد قوي
وأفردت فعاليات المؤتمر مساحة واسعة للاقتصاد الفلسطيني، وإمكانية أن يلعب رجال الأعمال الفلسطينيون سواء داخل فلسطين أو من المغتربين دورا مهما في الاقتصاد وبنائه، حيث تحدث العديد من رجال الأعمال والاقتصاديين، ومن بينهم رجل الأعمال الفلسطيني فاروق الشامي.
وقال الشامي: إن رجال الأعمال الفلسطينيين في الخارج والداخل يستطيعون أن يعكسوا صورة مهمة عن الفلسطينيين وواقعهم من خلال الاستثمار المباشر داخل الوطن، والسعي لجلب شراكات دولية بشكل يعزز التعاون والتآخي والعيش المشترك، موضحا أهمية عودة المغتربين إلى وطنهم.
وأشار الشامي إلى أن للاقتصاد ورجال الأعمال دورا مهما في تعزيز السلام، موضحا أن إسرائيل يمكنها العيش بسلام حال قررت إنهاء الاحتلال، بحيث سيكون هناك فرص اكبر للاستثمار والعيش المشترك، بدل سياسات الجدار والقنابل النووية، والادعاء أنها مهددة من مجموعة من الأطفال الذين يحملون الحجارة ويدافعون عن أرضهم ووطنهم.
وأشار الشامي إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تعتبر مثالا للتعاون والعيش، موضحا أن الفلسطينيين والعرب، مسلمين ومسيحيين واليهود، يعيشون في الولايات المتحدة بحقوق متساوية وواجبات متساوية، وبالتالي يمكن أن تعيش الشعوب في كل مكان وفق هذه التجربة، إذا كان هناك نوايا لإنهاء الصراعات والاحتلالات.
وخاطب الشامي الإسرائيليين بالقول، إن ارتفاع مستوى التطرف الديني لدى اليهود لن يجلب لهم الحل، بل هو يهدد وجود إسرائيل مستقبلا، وان الحل الوحيد لإنقاذ إسرائيل هو عملية سلام حقيقية تؤدي إلى إنهاء الاحتلال، مشيرا إلى أن نافذة السلام آخذة بالانغلاق سواء حال نفذت إسرائيل انسحابها، أو لم تنفذه فحالة الشرق الأوسط لا تسير لصالحها.
وأكد الشامي انه يعيش بالولايات المتحدة لكن قلبه وعقله في فلسطين، موضحا أن الاقتصاد الفلسطيني لا يمكن أن يزدهر ويتطور ما دام الاحتلال موجودا، حيث إن الاقتصاد يحتاج إلى استقلال، موضحا انه لا يزال يسعى لتطبيق مبادرة لإيجاد 1000 رجل أعمال فلسطيني وعربي للاستثمار بفلسطين بنسبة 10% من استثماراتهم، ما سيغير الاقتصاد الفلسطيني ويخلق الآلاف من فرص العمل وتحسين الواقع الفلسطيني رغم كل العراقيل الإسرائيلية.
وأكد أن تطبيق الفكرة واجه صعوبات بسبب الاحتلال، حيث انه لم يستطع تنفيذ مشروع خاص به لفتح شركة وطنية فلسطينية لمستحضرات التجميل والعناية بالشعر بسبب إحباط إسرائيل لخطوته مؤكدا أن هذه الممارسات الإسرائيلية تعكس أهمية العمل من اجل سلام حقيقي وإنهاء الاحتلال.
تسليم جوائز المؤسسة
واستمرت فعاليات المؤتمر ثلاثة أيام، واشتملت على العديد من الأنشطة منها تسليم جوائز المؤسسة السنوية، أبرزها جائزة مسار السلام التي تم منحها لعضوة اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير حنان عشراوي، كما تم منح جائزة “الإيمان والتسامح” للمطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس، أما جائزة المسؤولية الاجتماعية فتم منحها لهاشم الشوا رئيس مجلس إدارة ومدير عام بنك فلسطين، وتم منح جائزة الاغتراب إلى رجل الأعمال فاروق الشامي، كما وتم منح جائزة رئيس المؤسسة للمطران ريتشارد جراهام أسقف الكنيسة اللوثرية الإنجيلية في أميركا، أما جائزة متطوع الأرض المقدسة، فتم منحها لفرانك كارولو، متطوع مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية.
فرصة لتعزيز الحضور الفلسطيني
بدوره، قال المدير الإقليمي للمؤسسة انطوني حبش، إن انعقاد المؤتمر بشكل متواصل على مدار ستة عشر عاما بالولايات المتحدة، يعكس أهمية العمل الفلسطيني المسيحي على الساحة الأميركية، بهدف التعريف بالقضية الوطنية الفلسطينية التي تعتبر جوهر الصراعات في المنطقة، ومن دون حل عادل لقضية فلسطين لن يكون هناك حل للعديد من قضايا وإشكاليات الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن المؤسسة سعت وتسعى لربط أبناء فلسطين في الاغتراب بالوطن من خلال برامج ومشاريع مختلفة، مثل برنامج الشباب المغترب “اعرف تراثك” وبرامج تقوية العلاقات الاقتصادية بين اقتصاديين فلسطينيين بالداخل واقتصاديين ورجال أعمال فلسطينيين بالاغتراب، إلى جانب رجال أعمال أميركيين، وان المؤسسة نجحت على مدار السنوات الماضية في تعزيز هذه العلاقات.