خلال جولته الحالية إلى الأراضي المقدسة، قام رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، بزيارة إلى دار البطريركية اللاتينية في القدس، حيث التقى البطريرك فؤاد الطوال، والوفد البطريركي، وتبادل معهم الآراء حول المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
وأعرب البطريرك الطوال بكلمة باللغة الفرنسية عن “امتنانه للتعاون التاريخي والمستمر بين الدولة الفرنسية والأرض المقدسة، وخاصة مع البطريركية اللاتينية في القدس، حيث تشهد زيارة اليوم على روابط الصداقة بين الطرفين، والتي تتجلى على أرض الواقع من خلال الدور النشط الذي تقوم به القنصلية الفرنسية في القدس، والحضور الفعّال للعلماء والباحثين وعلماء الآثار، كما والمؤسسات الثقافية والرهبانية، والتي عملت لقرون عديدة على رعاية وتثقيف ودعم شعبنا”. وقال البطريرك: “إنه بدعم ومساعدة فرنسا، نحن واثقون من الحفاظ على هويتنا وتطوير مؤسساتنا، وتعزيز قضايا السلام: العيش المشترك بين الأديان، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة جميع أشكال التطرف”.
ورحّب غبطته “بالمبادرة الفرنسية لتحقيق السلام في الأرض المقدسة والشرق الأوسط”. وقال “نحن سعداء لرؤية فرنسا تنشط مرة جديدة على الساحة الدولية لمحاربة التطرف”، “فللمبادرة الفرنسية الفضل في تعبئة المجتمع الدولي مرة أخرى لتقديم فرصة جديدة لإحلال السلام”، مشدداً على أن “مسؤولية تحقيق السلام في هذه المنطقة تقع على عاتق الجميع، بأن يفعلوا كل ما استطاع في وسعهم لوضع نهاية لدوامة العنف التي لا تنتهي، كما ولبيع الأسلحة”.
وفي معرض تعليقه على الوضع السياسي في المنطقة، تحدث البطريرك الطوال مطولاً عن التحديات السياسية في المنطقة. وقال: “إن البطريركية اللاتينية هي في صميم تحديات ومشاكل المنطقة. واليوم نحن خائفون من عنف لا حدود له يجري في سوريا”، “فلقد أثبت التاريخ أن التدخلات العسكرية، سواء في العراق أو ليبيا، لم تؤدي سوى تأجيج العنف، وزيادة رقعة الموت والدمار، وتغذية التطرف في منطقة تزداد فيها عدم الإستقرار”.
وأضاف “إن كرامة الإنسان في سورية تنتهك بشكل يومي، تحت أعين وصمت المجتمع الدولي”، “والرغبة في إسقاط النظام، قد أدت إلى سجل كارثي. فعلى الرغم من أن الحرب لم تنتهي بعد، فإن البلاد قد دمّرت، وقتل مئات آلالاف من الأشخاص، ونزح ملايين اللاجئين، الذين كانوا موضع ترحيب في كثير من رعايانا ومدارسنا في الأردن، أو لديكم في أوروبا، حيث وجدوا أنفسهم تحت ظروف غير مستقرة مع أمل ضئيل للعودة إلى بلدهم”. تابع: “لقد كانت فرنسا، ولوقت طويل، بعيدة عن المفاوضات الدولية بشأن حل هذا الصراع المستعصي”، و”الحرب الدموية العبثية”، “فقد ركزّت وسائل الإعلام على المواجهات بين لافروف وكيري، وتم ترك فرنسا وأوروبا خلف الكواليس”، “واليوم، فإننا نرحب بالمبادرة الفرنسية في قلب المسرح العالمي”.
أما بالنسبة للقضية الإسرائيلية الفلسطينية الشائكة، فأشار بطريرك القدس للاتين إلى “مركزيتها اليوم أكثر من أي وقت مضى”. وأضاف “إننا نأمل من الجمهورية الفرنسية أن يكون لديها الشجاعة لتقول الحقيقة للإسرائيليين من أجل خير الجميع”، كما “ندين جميع أعمال العنف والإرهاب، تجاه الإسرائيليين كما وتجاه الفلسطينيين. وندين الإستخدام المفرط للقوة، والظلم، وجدار الفصل أو الضمّ، والمصادرة الظالمة للأراضي، وتجاهل حرية التنقل والعبادة”، “فشجاعة الحديث من أجل الحقيقة والعدالة هي التي ستمكّن البلاد من إيجاد السلام للجميع”، “فنحن محكومون للعيش معاً: أن نحيا بحسن الجوار، أفضل من العيش كأعداء للأبد”.
وأضاف “نتمنى من فرنسا، التي تنظر إلى قيم الحرية والعدالة والمساواة، أن تكون وفيّة لالتزاماتها التاريخية بحكمة وشجاعة. كما نوّد من بلادكم، ’حامية الأماكن المقدسة‘، أن توّسع مساحة التضامن ليشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها. فنحن مقتنعون بأن القدس، من خلال بعديها الديني والدولي، يمكن أن تكون مفتاح تحقيق السلام في الشرق الأوسط. كما نرغب بأن تحافظ على الدور الفرنسي البارز في حل النزاعات الإقليمية، من خلال قوة الحوار والتفاوض والدبلوماسية، وتجنب آلاف الضحايا”، داعياً غبطته لذلك “باسم أركان الدولة الفرنسية التقليدية: العدالة وحقوق الإنسان ورسالة السلام”.
وختم البطريرك الطوال كلمته بالقول: “نصلي من أجل فرنسا والفرنسيين، الذين مروّا بفترة عصيبة يوم 13 نوفمبر”. “نأتي من بلد نظامها الاجتماعي يؤمن بأن الأسرة هي نواة المجتمع، وهي الثروة الحقيقية التي لا تنضب. فنحن نريد لرجال ونساء عصرنا أن يجدوا السعادة والعظمة الحقيقية للأسرة التقليدية. فمن هذه الأرض، مهد الإيمان المسيحي، كلنا أمل بأن تبقى فرنسا وفية لجذورها، بما في ذلك التعاون الأفضل مع مجلس أساقفة فرنسا، لما فيه خير البلد بأكمله”، “معاً نحن أقوى في النضال الدؤوب ضد الإرهاب والحرب والظلم. فالمستقبل إلى جانب صانعي السلام، لا إلى جانب بناة الجدارن”.
من جانبه، أكد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن “مصير المجتمعات المسيحية في الشرق يهمنا، ويهمّ فرنسا”. كما أثار أيضاً قضية اللاجئين، ووصف هجرة المسيحيين على أنها “إضعاف لوجود وعلامات التنوع والاعتدال في المنطقة”. كما لم يغب عن ذهنه “أعمال الإرهاب ضد المسيحيين التي ترتكب في إسرائيل”، ومشكلة المدارس المسيحية في البلاد، مؤكداً عن رغبته “لتكريس شراكة تاريخية” مع المدارس خاصة، من خلال وجود المتطوعين الفرنسيين في البلاد.
وأكد رئيس الوزراء أن فرنسا تدرك وجود “مسؤولية خاصة ورثتها في التاريخ”، مذكراً بوجود أربعين جمعية كاثوليكية لاتينية فرنسية في الأرض المقدسة تتمتع بالحماية الفرنسية. وحول المبادرة الفرنسية، أشار إلى أنها “تأمل، بتواضع وصبر، إلى التقاط حبل الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين”. وذّكر مانويل فالس، الذي يقدّم نفسه “صديقاً لإسرائيل”، كيف أن “استمرار الاستيطان يدّمر إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، على الرغم من أن هنالك حل واحد فقط: دولتان لشعبين”.