الأخبار

حنا عيسى: لا مستقبل لمنطقة الشرق الاوسط من دون العيش المشترك

قال الدكتور حنا عيسى، أمين عام الهيئة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، “أن لا مستقبل لمنطقة الشرق الأوسط من دون العيش المشترك الإسلامي والمسيحي”. وأشار إلى “أن ما يجري الآن في المنطقة من تراجع الحضور المسيحي من حيث العدد ومن حيث الدور هو كارثة ليس على المسيحيين وحدهم بل على المسلمين أيضًا، لأنه يؤدي إلى تفسخ المجتمع والى افتقاره إلى هذا الغنى في التنوع والى الكفاءات العلمية والاقتصادية والفكرية والثقافية التي تهاجر من المسيحيين”. وأكد “أن الهجرة ليس خسارة للمسيحيين بل هي خسارة للمسلمين في نفس الوقت، وهي خسارة لصيغة العيش المشترك الإسلامي المسيحي”.

وقال: “كما هو معلوم الفلسطينيون المسيحيون يشكلون نحو 20% من حجم تعداد الفلسطينيين حول العالم الذي يبلغ ما يقارب 13 مليون نسمة أما عدد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، يبلغ 5 مليون نسمة وحوالي 1.5 مليون ونصف المليون نسمة في أراضي 48 وما يقارب 6 مليون نسمة في الدول العربية ونحو 500،000 الف نسمة في الدول الاجنبية حسب الاحصائيات الاخيرة الناتجة عن مركز الاحصاء الفلسطيني في 31/12/2017”. ونوه “إلى انه في الوقت الحالي يشكل المسيحيون ما نسبته أقل من 1% فقط من تعداد سكان الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وذلك لأن معظم مسيحيي فلسطين قد توجهوا إلى العيش في بلاد أخرى لأسباب مختلفة منها وجود الاحتلال الإسرائيلي في هذه الأراضي، الوضع الاقتصادي السيء… حيث الإحصائيات الاخيرة تشير بأن عدد المسيحيين 40 ألف شخص في الضفة الغربية، واقل من من 5000 شخص في القدس، وأقل من 1000 شخص في قطاع غزة”.

أسباب انخفاض أعداد المسيحيين في فلسطين

وأضاف: “من الأسباب المباشرة لانخفاض نسبة المسيحيين في فلسطين يعود إلى، انخفاض معدل المواليد بين المسيحيين بسبب ارتفاع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، وفشل مشاريع التنمية والنهضة في معظم دول المنطقة وشعور المسيحيين وفئات اجتماعية أخرى بلا جدوى البقاء بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية والسياسية فيها، وبالرغم من المصاعب المعيشية إلا أن المسيحيين إلى جانب إخوانهم المسلمين ما زالوا يكافحون من أجل تنمية وإزدهار هذا الوطن”.

وأوضح بأن “الوجود المسيحي في الدول العربية وبالأخص في المناطق الأكثر سخونة مثل فلسطين، والعراق، وسوريا، ولبنان، والعلاقات المسيحية الإسلامية عبر التاريخ تميزت بوجهين، الأول هو انه يمكن أن يوجه كرسالة إلى العالم تؤكد على أن العلاقات المسيحية الإسلامية تاريخيًا كانت في المستوى العالي المطلوب، أو بعبارة أخرى مرت هذه العلاقات من حيث طبيعتها وفحواها في أقنية صحيحة، مما أدى إلى خلق مناخ وطني في كل المراحل خاصة الصعبة منها”.

واستطرد: “أما الثاني أن بناة هذه العلاقات المميزة وضعوا أسسًا لا تتزعزع لعلاقات أقوى حاضرا ومستقبلا، وقد يكون هذا الوجه الثاني هو الأهم لان صفحة الماضي قد طويت، وحتى إذا أساء الواحد إلى الآخر تبقى العبر هي الأهم، لأنها تشكل هذا الأساس لرؤية صائبة تتطلع إلى مستقبل أفضل للعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين. مؤكداً على أن العلاقات المسيحية الإسلامية بشكل عام ليست حديثة العهد، فالمسيحية ببعض معتقداتها موجودة في آيات واضحة في القران الكريم”.

وأضاف: “مما لا شك فيه بان الحروب والأزمات السياسية في منطقة الشرق الأوسط تساهم في تقوية الهجرة كما هو حاليا في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في العراق أو في سوريا ، فإن الذي يحدث حاليا في المنطقة لا يمكن وصفه بهجرة دينية، فهي أصبحت في الآونة الأخيرة هجرة من مناطق الحروب إلى مناطق الأمل أو الملاذ لاماكن أمنة أكثر من الوطن الأم، مثلها مثل هجرة المسلمين الجزائريين منذ الحرب العالمية الأولى والثانية التي كانت بهدف البحث عن حياة أفضل، وينطبق هذا أيضا على المسيحيين العراقيين والسوريين، فهم لا يهاجرون خوفا من مسيحيتهم بل بحثا عن مكان آمن”.

خطر تفاقم الهجرة المسيحية

وتابع “لكن الخطرالداهم حاليا هو هجرة تتصاعد منذ عقود في البلدان التي يشكلون جزءا أساسيا من بناها الديمغرافية مثل العراق ولبنان ومصر وفلسطين وبلدان أخرى، ومن أسبابها ما جرى من قتل إرهابي ضد المصلين والكهنة في كنيسة النجاة في العراق والتي راح ضحيتها ما يقارب الستين قتيل بالإضافة لأكثر من مائة جريح، مما حذا بالمواطنين العراقيين الطلب من الحكومة العراقية على اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من العمليات الإرهابية التي تقوم بها جماعات متطرفة ضد المساجد والكنائس”.

ولفت “في فلسطين تعتبر سياسة المحتل الإسرائيلي حيال الفلسطينيين والمسيحيين منهم خاصة سببا رئيسيا لهجرتهم، وقد تدهورت أعدادهم في شكل لافت في الأربعين عاما التي انقضت وكان انخفاض عدد هؤلاء واضحا في المدن والقرى المسيحية أو المختلطة مثل القدس، بيت لحم، ورام الله، واتجه جزء من هؤلاء في البداية إلى البلدان العربية بقصد العمل أو الدراسة أو الإقامة المؤقتة لكن كثيرين منهم غادروا لاحقا إلى بلدان الغرب التي شجع العديد منها هجرة المسيحيين إليها في إطار عملية توطين تمثل جانبا من جوانب حل سياسي لصراع الفلسطينيين مع إسرائيل .علما بان عدد المسيحيين في المنطقة العربية يصل إلى ما بين 12 إلى 15 نسمة غالبيتهم تعيش في مصر، ويتوقع البعض أن يهبط الرقم إلى 6 ملايين بحلول عام 2020 نتيجة موجات الهجرة المتوالية للمسيحيين”.

ثقافة قبول الأخر والخطاب الديني

ونوه بالقول: “بغض النظر عن الأوضاع المتأزمة في بلداننا العربية، فإننا بحاجة لنشر ثقافة قبول الأخر واحترامه واستخدام كل الوسائل التربوية والتعليمية والإعلامية و الثقافية المتاحة، وهذا يتطلب جهود جماعية مشتركة ومنظمة بين المسلمين والمسيحيين، والعمل على أرض الواقع، وعدم الاكتفاء بالخطابات العاطفية -رغم أهميتها- بل يتطلب أيضًا تحديث الخطاب الديني وتطويره بحيث يساهم في إعادة اللحمة بين أبناء الوطن الواحد، وإزالة الأحكام والتصورات المسبقة عن الأخر، والسعي للتعلم والفهم عن الأخر”.

وأشار عيسى إلى أقوال البابا بندكتس السادس عشر في 24/10/2010 عندما قال قداسته: “إن السلام سيكون أفضل طريقة لوقف هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط، وحث البابا الإسرائيليين والفلسطينيين على الدفع باتجاه السلام في الشرق الأوسط وعدم اليأس إلى إمكانية التوصل إلى تسوية، واستخدم البابا لغة واضحة في عظة الأحد “السلام ممكن والسلام أيضا أفضل علاج لتفادي الهجرة من الشرق الأوسط”.

وبين أن “هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط يساهم في إفقار الهوية العربية وثقافتها وأصالتها، إذن لا بد من الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق الأوسط كضرورة إسلامية بقدر ما هو ضرورة مسيحية وواجب إسلامي بقدر ما هو واجب مسيحي”. وخلص إلى التذكير بأن “مصلحة المسلمين في العالم عامة وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة أن يحافظ على الوجود المسيحي في العالم العربي وأن يحموه بما ملكوا من قوة، ليس منة، ولكن لان ذلك هو حق من حقوقهم كمواطنين وكسابقين للمسلمين في المنطقة”.

Shares: