اكد الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، أن إسرائيل تناقض كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية وتسعى لفرض أمر واقع جديد على الأرض.
وقال الرئيس اللبناني، في كلمته بافتتاح المؤتمر السنوي الأول للقاء المشرقي، بعنوان: “لقاء صلاة الفطور: لبنان وطن الحوار والحضارات”، إن تهويد محجّة الديانات الكونية القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، مروراً بالسياسة الاستيطانيّة الاسرائيلية التوسعيّة والقضم المستمر، والتشريعات العنصرية، وصولاً الى النقض المتمادي لحرمة الحدود الدولية المعترف بها، إضافة الى تحول الأراضي العربية الى مادة للاستهلاك في بازار الوعود الانتخابية في الانتخابات الإسرائيلية، تشكل تجاوزاً فاضحاً لكل القوانين والقرارات الدولية ومؤشّراً خطيراً لما يُحضّر.
واعتبر خلال المؤتمر الذي حضره مدير عام الصندوق القومي الفلسطيني ورئيس اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في دولة فلسطين معالي الوزير د.رمزي خوري، وعضو اللجنة سفير فلسطين في حاضرة الفاتيكان عيسى قسيسية والسفير عمار حجازي مساعد وزير الخارجية لشؤون متعدد الأطراف، والسفير مناويل حساسيان ومدير عام اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس السفيرة أميرة حنانيا، وسفير فلسطين لدى لبنان اشرف دبور، والاب ابراهيم فلتس مستشار حراسة الاراضي المقدسة، أن المؤتمر الذي يجمع في ورشات عمله مفكرين من مختلف مكونات المشرق، هو جهد مشكور خصوصاً في خضمّ الأخطار الوجودية والكيانية التي تتربص بشعوبنا وأوطاننا.
واكد أن لقاء اليوم هو خطوة في مسيرة إنسانية على درب هذا المشرق، آملاً أن تتضافر جميع الجهود للمحافظة عليه وعلى ما يمثل، مؤكداً ان المشرق أكثر بكثير من منطقة جغرافية، “هو فكرة، هو روح، هو أرض جمعت وحضنت، هكذا كان عبر التاريخ وهكذا يجب أن يبقى، نموذجاً مستقبلياً للبشريّة جمعاء وصورة مشرقة لثقافة السّلام.”
ادناه نص الكلمة الكاملة لرئيس اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس، والتي القاها في المؤتمر :
فخامة الرئيس العماد ميشيل عون
رئيس الجمهورية اللبنانية
الأساقفة الأجلاء
أصحاب السماحة الأفاضل
أصحاب المعالي والسعادة
الحضور الكريم
نحييكم باسم الشعب العربي الفلسطيني الصابر الصامد على تراب وطننا المقدس، وانقل لفخامتكم تحيات سيادة الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين، ونحيي القائمين والداعمين لهذا التجمع المميز الذي يلتئم في هذا الوقت العصيب بمشاركة كوكبة من أصحاب الفكر النير، لنتبادل معاً الأفكار والهموم والتطلعات المستقبلية لحماية تنوعنا الديني والثقافي، ولنناقش قضايانا المشتركة في ظل رؤيتنا لشرقنا الأوسط مهد الحضارات والديانات، بعيداً عن التدخلات الخارجية بأشكالها المتنوعة.
فخامة الرئيس،
الحضور الكريم،
إننا نتطلع إلى مؤتمركم هذا للخروج برسالة حياة وأمل وعيش مشترك لشعوبنا على أساس المواطنة الواحدة والتعددية، فالمسيحية في الشرق هي جزء متأصل لا ينفصل عن الهوية الحضارية العربية، وكما قال سيدنا يسوع المسيح “أنتم ملح الأرض وأنتم نور العالم”، وهنا أردنا أن نكون شركاء فاعلين في أوطاننا، نعمل من أجل المحبة والعدل والسلام، وكيف لا والمسيحية خرجت من مهد الشرق العربي، ونحن الشاهدون على ولادة المسيح وقيامته في أرضنا المقدسة.
وعليه فإن مستقبل المسيحيين المشرقيين لا يكون بالتقوقع أو بالهجرة والإغتراب والاستسلام لقوى الشر والتطرف، بل بالتصدي ومجابهة القهر والظلامية بقوة الإيمان والشهادة، وتعزيز قوى الانفتاح والاعتدال والحوار البناء على أساس حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بما في ذلك حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية والتي تنصهر في بوتقة التنوع الفكري والثقافي والعلمي في ظل الدولة الديموقراطية.
وبالنسبة لنا، فإن قضيتنا الفلسطينية هي قضية الأمة العربية جمعاء وقضية كل احرار العالم، تبقى الهم الأكبر والجرح الدامي النازف في صميمنا جميعاً، إلى أن يتحقق الاستقرار والسلام في فلسطين والشرق الأوسط عامة، ولا يتأتى ذلك إلا بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار رقم (194)، ورفض كافة أشكال التوطين والإنتقاص من نضالات الشعب الفلسطيني المشروعة وصولاً لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها مدينة القدس.
وإننا في هذا السياق، نتقدم لفخامة الرئيس العماد ميشيل عون والشعب اللبناني الشقيق بخالص التحيات والتقدير، فطالما كان لبنان مثالاً ونموذجاً للتعايش والأخوة بين كافة مكوناته، وأرضاً طيبة تحتضن مختلف الحوارات بين المثقفين وأصحاب الفكر، وهنا لا بد لنا من إعادة التأكيد على إحترام سيادة الجمهورية اللبنانية ووحدة أراضيها، وكذلك إحترام سيادة جميع الدول العربية، ونحذر من استمرار أخطار مخططات التقسيم والشرذمة التي تتعرض لها أوطاننا، الأمر الذي يستدعي منا جميعاً مواجهة تلك المخططات المدمرة، ومحاربة التعصب الديني والمذهبي والفكر الإقصائي أياً كانت ذرائعه الزائفة.
ونحن في اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في دولة فلسطين والتي تمثل كافة أطياف المجتمع الفلسطيني، نعمل من أجل تثبيت الوجود المسيحي الأصيل في وطننا فلسطين، والحفاظ على هويته وصون كرامته، وحماية النسيج المجتمعي الفلسطيني، ومنع قوى التعصب من الوصول إلى أهدافها الظلامية باختراق ونهش الجسم الفلسطيني الواحد، ونقف بجانب القوى التقدمية والوطنية في المجتمع المدني من أجل غدٍ مشرق واعد، ولبناء مجتمعات مدنية وديموقراطية، ونذكر هنا بأن مسيحيي الشرق قد لعبوا دوراً ريادياً على الدوام في إغناء الفكر التنويري الإنفتاحي ونادوا بدولةٍ تمثل كل مواطنيها، دولة مدنية ديموقراطية يتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.
فخامة الرئيس
الحضور الكريم
اما بالنسبة للقدس المحتلة وهي قلب الصراع، ومن على هذا المنبر نطلق صرخةً من أجل المدينة المقدسة التي تشهد هجمةً اسرائيليةً غير مسبوقة بدعمٍ أمريكي غير محدود، في سباق مع الزمن من أجل تغيير جغرافيتها وتراثها وآثارها وحجارتها الحية الشاهدة على تاريخها المديد، ونضم صرختنا هذه لصرخة كنائس القدس، التي قامت مؤخراً بإغلاق كنيسة القيامة في خطوة غير مسبوقة، إحتجاجاً على التعسف الإسرائيلي وقراراته الجائرة تجاه المقدسات، وفرض الضرائب عليها مخالفةً بذلك كل القوانين والمواثيق الدولية.
وعلى اعتداءات المستوطنين شبه اليومية بحماية ودعم من جيش الإحتلال، على المسجد الأقصى وساحاته، وعلى منشآت الكنائس وساحاتها، وعلى رجال الدين والأساقفة، ولتكن صرخةً مدويةً من مدينة القدس، من الأقصى المبارك، من كنيسة القيامة، ومن مآذن مساجدها وأجراس كنائسها، يسمعها العالم أجمع، ليصحو من غفوته، لإنقاذ مدينة القدس ومقدساتها المسيحية والإسلاميةة من شرور وطغيان الإحتلال.
ومن هنا فإنني أدعوكم أيها المؤتمرون الموقرون، لبذل الجهود، كل بما أمكنه في موقعه، لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على المدينة المقدسة ووقف الإعتداءات التي تتعرض لها ودعم أهلها بكل الوسائل المتاحة، من أجل أن تكون القدس عاصمةً لدولة فلسطين، ومدينةً مفتوحةً أمام الجميع، وعاصمةً روحيةً لجميع الديانات السماوية، وكما أدعو من هنا للعمل الجماعي الجدي للبناء على وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، والتي وقعها قداسة البابا فرانسيس وشيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب بداية العام الحالي في أبو ظبي.
من فلسطين، من أرض القداسة، أحييكم مرةً أخرى، متمنياً لمؤتمركم هذا النجاح والتوفيق واعتماد توصياتٍ عمليةٍ لمؤازرة وترسيخ أسس الوجود المسيحي الأصيل في المشرق العربي.
نشكركم على حسن إستماعكم، وإلى لقاء قريب يجمعنا على أرض القدس وقد نالت حريتها عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية.
د.رمزي خوري
مدير عام الصندوق القومي الفلسطيني
رئيس اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في دولة فلسطين