الأخبار

كلمة غبطة البطريرك نورهان مانوغيان خلال قداس عيد الميلاد المجيد

بسم الأب والإبن والروح القدس الإله الواحد – آمين

دولة رئيس الوزراء معالي د. محمد إشتيه، السادة أصحاب المعالي والنيافة، إخوتي وأخواتي الرهبان والراهبات، حجاج مغارة المهد، أيها الأخوة المؤمنون المجتمعين معنا لنُحييعشية صلاة ميلادِ الربِّ المجيد! العليمِ والسميعِ المُجيب!

من رحمِ مغارة المهدِ نُجدِدُ صلواتنا ونتضرع لربنا ومخلصنا في ذكرى ميلاده المجيدة معكم ومع جميع مؤمني العالم اجمع لنُصلِّ ونتأمل ونستذكر ونستخلص العبر لنَنجوَ ونتقدمْونَترفعَ لمجدِ طفلِ الميلادِ وملك الأمجاد !

أيها الإخوة المؤمنون !

من قبل التاريخ، كُتب التاريخ، فقد كُتب تاريخ بيت لحم قبل حَقباتِ التاريخ كلها، فقد شاءت إرادة الله منذُ الأزلِ أن تَخُصَ هذه المدينة المتواضعة في مخططها الإلهي لبني البشر، فجاءتنا النبوءات في العهد القديم على يد النبي أشعيا :  

“لأنهُ يولد لنا ولد ونُعطى ابناً وتكونُ الرياسةُ على كتفهِويُدعى اسمهُ عجيباً مُشيراً الهاً قديراً اباً ابدياً رئيسَالسلامْ 

من قبل التاريخ، كتبت أحرف بيت لحم في مسيرة الخلاص الإلهية، هذه المدينة المتواضعة ارتقت فوق أنانية البشرِ ولآتهم، وسَمتْ فوقَ تَملُكِ الإنامِ وتيهِ وزيفِ معرفتهم، فقدسيتها ليس فقط في مغارةِ ومهدِ كنيستها بل هي في كُلِ شِبرٍ فيهاوبساحاتها وحجارتها، فخُطى مريم البتول ويوسف البار باركت جميع بيوت قاطنيها، فرسالتي اليوم أيها الأحبة تتجاوز معاني الفرحِ بالميلاد، فالفرح لحظي والحزن آني، وما يُبقى الإنسانَ حياً وقوياً بينهما هو جسرُ الإيمان! ومن هنا مهد الميلاد أدعوكم الليلة للصلاة لأنفسكم ولكلِّ إنسان للثبات على الإيمان! فيا طفلَ المغارةِ بارك صلاتنا!!!

أما رسالتي بمناسبة الميلاد المتجددة هي مدينة المخلص! نعم أيها الأحباء بيت لحم هي منارةُ المسيحية، وعروسُ فلسطينَ البتولية، وعاصمة السلام، وقدسيتها حفرها التاريخ لتكون محطة البداية لتجّسدِ المسيح ولقائهِ وخلاصهِ لبني البشر! أيها الأحبة لا تتوهوا في سراديبِ المجدِ الزائف ولا خداعِ المناصبِ المتكبرة واستخلصوا من بيت لحم العبر حتى تستحقوا الانتماء لها، فملك السلامِ ورئيسه وخادمُ البشريةِالأول ولِد في مذود مغارةٍ متواضع!  ونجمة الشرق ظهرت في سماء العالم لتعلن بداية فجرٍ جديد! فكانت النجمة خارطة الطريق لبيت لحم! فسارَ المجوسُ آتين لملاقاة الطفل الفادي العجيب! بيت لحم يا إخوتي لا ولن تتجزأ، وهويتها وجوهرِ روحها لن يتبدلا! فهي أكبر منا جميعاً، فبيت لحم لها مكانة خاصة ليس فقط لبني البشر وانما في قلب الله الذي خصها وميزها عن كل بلاد المعمورة والعالم ليولد فيها فادي البشرية ومخلصها ابن الله الوحيد، ونحن قاطنيها نعيش ببركته ونعمته علينا! تذكروا جيداً كلامي في هذه الليلة المباركة :إننا جميعا مدعون للحفاظ على هذه الأمانة وهذه النعمة، فهي أرض الله حاميها قبل الأزلِ وإلى الأزل، وما نحن إلا حراس وجنود وشهداء لحماية وقفيتها ولرفعة رسالتها بوجودنا وأعمالنا واحترامنا وإيماننا الدائم عبر قرون طويلة!إن كنتم فعلا تريدون الحفاظ على بيت لحم فاعملوا لخير بنيانها وتثبيت تشريف وجود المغارة تاجا يعلو هامات فلسطين فخرا وعزتا، فحافظوا على قاطنيها وفكروا في النهوض بها لترقو وتزهو في سماء الارض المقدسة، فلا تضيقوا الخناق عليها بتفاصيلَ تسلب منها وهج حريتها. “بيت لحم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لتعاضد الجهود، لهذا فاننا ندعو الجميع في ليلة الميلاد هذه للعمل من أجل إنسانِ بيت لحم، فيا طفل الميلاد أنِرّ بَصيرتنا ووَجّه قُلوبنا وعُقولنا وأيدينا لأجلِ خدمةِ ونُموِ ورُقيِ بيت لحم وإرثها وإنسانها

أيها الأحباء! إن رسالتي في هذا العيد المجيد شكر وصلاة !

لتمجيد اسم الرب بعد ان شارف الانتهاء من أعمال ترميم كنيسة المهد، هذه الأعمال والتي حملت بين طياتها احياءلمعانىٍ وحقائق عميقة ورسائل حية مرسومة كأيقونةٍ ناطقة بروحها ورمزيتها في تاريخ كنيستنا حتى انتهاء السرمدا.

إن بيت الله بجهود وبدعم المؤمنين بقدسية الارث الديني والحضاري تمت اعمال ترميم كنيسة المهد لما له أثر كبير في الحفاظ على هذا التاريخ والإرث المسيحي الفلسطيني وايضاً في الحفاظ على معنى وقيمة الوجود المسيحي المتآصل والمتجذر في هذه الأرض من أكثر من 2000 عام. فهنيئا لكم هذا التشريف ولتبقى بيت لحم مهداً للمسيحيةِ وحاضنةًومنبعاً رافداً للسلام !

“فيا طفل المغارة بارك هذه النوايا وأجعل هذه الأعمال مُعدية ومحفزة لنا للعمل على خطى خدمة البشر والإنسانية جمعاء

أيها الأخوة المؤمنون!

تتكرر الأماني مع كل عام من أجل إحلال السلام والأمان في هذه الأرض المقدسة، وننظر من حولنا لنرى العائلات المشردة واللاجئين في الخيام والمظاهرات في الشوارع، والجنودُ التي تحارب بعضها بعضاً وفي عيونها دموع الحزن والأسىوالاستعجاب، ونلتفت لنرى ثوب الإنسانية يمزق باسم الدين والطائفية والتقسيمات البشرية. فأي ليلة ميلاد نحتفل وإنسانناً يقتل ويجرح ويُأسر ويُخان ويُهان. وبكل أسى أقول لقد تمنينا كثيرا وعبر سنوات طوالٍ وسجال أن يعم السلام وأن يحترم الإنسان أخاه الإنسان وأن نعيش بعدل وكرامة إلا أننا لم نرى ما يتحقق لنصرة ما نقول، ومن منطلق رجائنا بطفل الميلاد فإنني في هذه الليلة أرفع معكم دعاءً وصلاة للعلي القدير كي يثبت قلوب كل ذوي إرادة صالحة ليعملوا لخير البشر، لن يعم السلام ما لم يبدأ من أنفسنا، ولن يعم العدل ما لم نرضى أن نتقاسم الخير مع أخانا الإنسان، ولن يتم النهوض بالإنسانية ما لم نعلم أن الله وحده أب للجميع وهل للأبِ العادل والديان أن يفرق بين ابنائه البشر، فلنخلع ثوب التقسيم ولنلبس ثوب لم الشمل، الذي يدعونا لاكتشاف إنسانيتنا. إن كان الإنسان أغلى ما نملك فلنعمل لخيره وبنيانه ولنبدأ بتغيير أنفسنا وبيوتنا ومن هم حولنا لعلنا نصل العام القادم إلى نتائج وحياةٍ أفضل!

فيا طفل المغارة امنحنا شجاعتك لنعمل لخير أخينا الإنسان، وامنحنا القوة لتغيير ذواتنا لما يصبو لمهدِ محبتنا وإيماننا بك”وَيَكُونُ صُنْعُ الْعَدْلِ سَلاَمًا، وَعَمَلُ الْعَدْلِ سُكُونًا وَطُمَأْنِينَةً إِلَى الأَبَدِ.

وأخيراً فإننا نصلي لكل مظلوم ومحتاج ولكل مسكين لكي يثبت في الإيمان فقساوة الحياة ما هي إلا القشور التي تفصلنا عن السعادة والحب والعزيمة والحياة! أملين لكم جميعاً أعيادَ ميلادٍ مجيدةٍ وسنةً مباركةً بنعمةِ مُخلصنا ورَبنا يسوعَ المسيحِ منه وله المجد آمين

“المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”

ولد المسيح … هللويا، هللويا

Print Friendly, PDF & Email
Shares: